“ضفاف الشحوب” إبداع روائي

الثورة- رشا سلوم:

تمثل الرواية فناً أصيلاً يجمع الفنون جميعها، ويلتقط اللحمة الفارقة في الحياة، ويسبر أدوارها وأفكارها وأغوارها، يقدم قراءات في العمق من هنا تبدو أهمية أن تعيش في مجتمع ما ثم تكتب عنه رواية، هذا ما فعله الروائي السوري لطوف العبد الله في بعض أعماله الروائية ومنها رواية “ضفاف الشحوب”، التي صدرت عن دار الشنفرى للنشر، وبغلاف للفنان السوري “رامي شعبو”، ووقعت الرواية في مئة صفحة، قياس 21/15سم.
من أجواء الرواية..
“عند ضفاف الشحوب وعلى شواطئ الجفاف والرمال تترنّح أم العرائس التي صنع لها سَيْلٌ عَارِمٌ، ذلك الاسم ذات يوم كان حزينا حين اقترف ذلك السيل ذنباً عظيماً، إذ غرّر بالأبكار السبع وجرفهن بجبروته وعناده بعيداً عن مراسم العرس الذي بدأت طبوله تقرع استعداداً للحياة، وبعد أن أبحر بهنّ بعيداً يتقلّبنّ بِطُهرهنّ وأجسادهنّ بين مائه وطينه، كَتمَ بحقده وسطوتِه على أنفاسِهنَّ إلى أن غادرت الأبكارُ الحياةَ بعيداً عن طبول العرس ومراسمِه، فأقسَمَ العرسانُ على الإقامة الأبديّة في ذلك المكان ليكون شاهداُ على جريمةِ السّيلِ وغدْرِه، ويكون أُمّاً للعرائس: تخليداً و وفاءً وحزنا فكانت تلك القرية الحزينة، من ذلك اليوم تتأبّط جَبلَين عارِيَين ينحدران نحو الجنوب حيث الباسقات من النخيل، ثم يتيهان بعد حين بين بيادر الرّمال فتنتهي رحلةُ الشمال نحو الجنوب في أفواه تلك الكثبان وثُغورها، وتبقى أمُّ العرائس غائرة هناك تحتفل بِعِيدِ الشمسِ وهي تسكب فوق هامات أهلها نُوراً وناراً، حين كان الوقتُ مُنتصَفَ النهار ذات يوم من أيّام حزيران2018، فشوارعُ تلك المدينة الكالحة تكاد تكون خالية من المارّة في هذه الأوقات، فالكُلُّ يَتَّقي حرّ ذلك الصيف الذي انتصبت شمسُه في كبد السماء بالهُرُوب إلى الظلّ لأخْذ قسْط مِن الراحة( قيلولة).
حرارةُ ذلك اليوم تزيد من حرارة الحمّى التي نشبت في جسد زنبقة، حيث تملّكتها الأوجاعُ والتعرّق وارتفاعُ حرارةِ الجسد، أرادت أن تتجنّب شرّها بإبرة خافضة للحرارة ومسكّنة للأوجاع (زرّيقة)، في ذلك المستشفى الذي كان لها بمثابة المحطّة الأخيرة، لتُطوى مسيرة امتدت إلى سنين.
لا شيء يدعو إلى القلق فالأمر كان هيّنا عليها وعلى أسرتها. إنّها مسألة ارتفاع في درجة الحرارة، وبعلها سيّد الدشراوي يغالب النوم والنوم أغلب في ذلك اليوم القائظ من أيام حزيران، فيغطّ في نوم عميق.
سيد الدشراوي ذلك الرجل متجهّم الوجه شديد الطباع، يملك شاربين مفتولين (شلاغم)، ومنكبين عريضين، وقامة طويلة تصنع له هَيْبَةً حيثُ حَلّ. يناكف ويزأر كالضّيغم في اللقاءات والحوارات وحتّى عند دخول البيت يهابه الكبار قبل الصغار.
ذلك النقابي، المتقمِّص لشخصيتيِّ فرحات حشاد والحبيب عاشور، كان شرساً لا يساوم على مبادئه، صعب المراس، يتنقّل من أمّ العرائس إلى تونس أو إلى أيّ مكان إن استدعى الواجب حضوره للمشاركة في منازلة من منازلات الاتحاد ذوداً عن الحقوق وتلبيةً للواجب النقابي.
الكلّ يحسب له ألفَ حساب، ولاسيما حرمه المصون زنبقة، التي كانت ترتعد خوفاً حين تسمع زئيرَه وقد طرقَ بابَ البيت قادماً من رحلة عمل أو زيارة، ترتبك ويضيق بها ذلك البيت على سعته. وتتمنّى أن ترحل جدرانُه إلى الشوارع والساحات لتتنفّسَ الصعداء، ولكن هيهات فها هو الغضنفر صار في ساحة الدار، والويل لها إن كان الطعام ليس حاضراً، حينها يكون الضرْبُ سيّدَ الوسائل وأيْسرَها، إذ لا منزلة للحوار في عقيدة سيّد الدشراوي ولاسيما إن جاء منتشياً والنشوات في مسيرته كثيرة.
استيقظ سيّد الدشراوي على خَبَرٍ لا يسرّ قلبَه، لقد جفّ رحيقُ زنبقته، وتجمّدَ الدمُ في عروقها. رحلت سيّدةُ البيتِ إلى عالم الخلود مجلّلة ببياضها الذي يشبه لون اسمها وصفاء سريرتها.
وقع الخبَرُ على مسامع الرجل كالصاعقة، وانهارت قواه، وهوى ذلك الصرح الشّامخ أرضا مِن هَوْلِ ما سَمع. نهضَ خائفاً يبحث عن بارقة أمل بأنّها على قيد الحياة.
ينظر إليها ليجدَ عينين شاخصتين نحو السماء دون حراك، والجسد فَقَدَ حرارتَه التي كانت تبعث فيه الدفءَ والحياة، وشحوب الوجه لا يشي ببارقة الأمل التي كان يتمنّاها رفيقُ دَرْبِها. حرّك اليدين، وصرخ مناديا إيّاها بأعلى الصوت، فلم يسمع إلاّ صدى صوته الذي بدأ يختلط بصوت الآذان معلنا صلاة الظهر”.

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم