ثورة أون لاين ـ بشار الحجلي :
يجتهد الكاتب نبيل فوزات نوفل في تناوله لإشكالية العقل العربي بين الاستلاب والوعي والتركيز على رسم ملامح العقل المطلوب في هذه المرحلة بالذات قياسا لما تعرض له العقل العربي من استهداف مباشر وغير مباشر خلال مرحلة تعد الأكثر شراسة في تاريخ البشرية كرستها ثقافة القتل والترويع ، ثقافة الرعب والتخويف ، ثقافة أكل الأكباد والقلوب لمجرد اعتقاد واهم بالحصول على ملذات خارقة وأرتال من الحوريات وغير ذلك ..
العقل الذي تحدث عنه الكاتب نوفل في أخر منشوراته التي حملت عنوان " العقول المخصية " يكشف النقاب عبر سرد تاريخي لمحاولات استلاب العقل العربي في قوله إننا كبشر نحتاج عقلا مؤمنا بأحقية الإنسان بالحياة، كريما محترما ،متمتعا بأبسط ما تعنيه الإنسانية ، عقلا مؤمنا بالوحدة، رافضا التجزئة، مقتنعا بالعمل المؤسساتي، رافضا للفردية، ومقدما دور المؤسسة الوطنية على كل الاعتبارات ، عقلا يعمل على بناء دولة القانون، ودولة الأمان، يؤمن بالعدالة بتوزيع الفرص على الجميع، متمسكا بالديمقراطية وروح الحوار ، رافضا للاستبداد والاستغلال بكل أشكاله وعناوينه، مؤمنا بالعلم وسيلة وطريقا لصناعة المستقبل الذي يريده أبناء الأمة، وليس المستقبل مسبق الصنع، الوافد لعالمنا كقطع الهوت دوغ والهامبرغر والماكدونالد وغيرها .
العقل العربي ووعي التراث
الكاتب نبّه إلى مسألة مهمة شكلت مطبا للقوى السياسية والاقتصادية والثقافية في الوطن العربي تمثل بظاهرة التسليم للغرب بكل شيء الأمر الذي مهد لحالة احتلال العقل واستلابه تحت يافطة اللحاق بالحضارة الغربية والتقدم والعالمية .وبرز هذا الاحتلال بالنزعة المركزية الأوروبية التي كرست الغرب مصدرا للحضارة والتقدم وكل ما يصدر عنه خير وحقيقة لا تناقش وغيره شر وضرب من ضروب التخلف .
ويضيف : لقد نجحت مؤسسات الليبرالية الجديدة والقوى الامبريالية في تدجين واستلاب العقول برسم خرائط طريق لها ، هذا إلى جانب العمل على إغراق العقل العربي في سراديب الظلام والتحجر والانغلاق والتقوقع ورفض كل جديد وتسويق ودعم أصحاب النزعة السلفية التي تقول إن السلف أنجزوا لنا كل شيء ما أدى لانتشار البدع ومحاربة العقل وقتله والحجر عليه في الكهوف المظلمة . فضاقت الخيارات المتاحة حيث الحل رهين بخيارين كلاهما مر إما القبول بالاستلاب للغرب أو التوجه للنزعة التكفيرية المتحجرة التي صنعت ونمت في أقبية الغرب ذاته .
العروبة ووعي العقل العربي
وفي سبيل بيان خطورة الوضع وكشف الأبعاد الخطيرة لهذا المشروع الامبريالي الصهيوني المتعاون مع بعض القوى في مجتمعاتنا العربية وبهدف بيان أهمية مقام العقل في حياة الشعوب حاول الكاتب في فصله الأول بيان مقام العقل في الفكر العربي والإسلامي وكيف نظر العلماء العرب إلى العقل والتفكير في حياة الشعوب ، كما تحدث في الفصل الثاني عن رؤية العقل العربي لتراث الأمة وعلاقته بالحفاظ على الهوية كما خصص الفصل الثالث للحديث عن العروبة ووعي العقل العربي لها وما رأيناه ضرورة لتحصين العروبة ولم ينس الكاتب الحديث في فصله الرابع عن آليات تعاطي العقل العربي مع مصطلح العولمة والحداثة والتحديث والتطوير وفي الفصل الخامس نقرأ تحليلا مهما بعنوان تحصين العقل وتنميته لنصل لبعض المحددات الواجبة للخلاص من الشراك المنصوبة للعقل العربي لنخلص بالمحصلة إلى حقيقة تقول : آن للعقل العربي أن يتحصن في وجه ما يخطط له للاستمرار في بناء الأمة والانتقال بها إلى المستقبل من منطق القوة في الحاضر .
أما رسالة الكاتب نوفل فقاله بوضوح أنه أراد النظر في واقع الأمة لا أن ينظر إلى واقعها مبينا ما يهذي به ناس سخفت عقولهم وجفت أحلامهم وزاغت آراؤهم وغلبت أهواؤهم وقصر نظرهم وخبثت طباعهم فشق عليهم الإقرار بحالة الضعف والهوان التي وصلت إليها الأمة اليوم آملين أن نكون قد ذكرنا الغافلين من أبناء الأمة ليصحوا من غفلتهم ونساهم في تحصين عقول الشباب العربي المستهدف الأول مما يجري .
الكتاب إهداء كما وضح الكاتب نبيل نوفل إلى الذين لم يبيعوا عقولهم بعد وارتضوا لأنفسهم أن يعيشوا أحرارا هو نشر خاص من القطع الكبير يقع في 188 صفحة صمم غلافه الفنان التشكيلي إياد الخطيب ومن دعوة للقراءة ففيها متعة الاستكشاف وغذاء للعقل لا تغني عنه سطور تقدم للكتاب مهما كانت ديباجتها .
تجدر الإشارة إلى أن " العقول المخصية" هو المؤلف العاشر لنبيل نوفل وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب ، جمعية الدراسات والبحوث ولهو قيد الطبع مواقف المؤامرة ومطافئ المقاومة ..