يروى عن الزعيم جمال عبد الناصر أنه خلال حفل رسمي بعد سنوات قليلة من قيام ثورة تموز / يوليو دار حديث بروتوكولي بينه وبين سفير إحدى الدول الغربية الكبرى أبدى السفير خلاله ارتياح حكومته للسياسة المصرية، وتقول الرواية إن عبد الناصر لم يستطع النوم ليلتها وهو يسأل نفسه سؤالاً وحيداً: أين أخطأنا؟
هذه الريبة من الغرب التي تملكت أحد أكبر زعماء التحرر الوطني في العالم كانت نتيجة للسياسات الغربية المعادية منذ مئات السنين لشعوب العالم الساعية لحريتها وحقها في بناء مجتمعاتها الوطنية بما يتوافق مع رغباتها وثقافتها، وفي مقدمة هذه الشعوب نحن أبناء المنطقة العربية بحكم (قرب الجوار) لا حُسنه، والطمع الاستعماري القديم – الجديد بأرضنا وثرواتها، فبحجة حماية طريق الحج إلى بيت المقدس، وهو الذي لم يتعرض للخطر مرة واحدة، انطلقت حروب الفرنجة قبل أكثر من تسعمئة سنة، حملة إثر حملة على امتداد قرنين من الزمان تقتل الناس وتنهب الممتلكات وتقيم ممالك غريبة على أراض مغتصبة استولت عليها جيوش المغامرين والمرتزقة والباحثين عن إمارات وإقطاعيات في الشرق بعد أن عزّ عليهم ذلك في الغرب، ومع أن الحجة كانت طريق الحج، فإن بعض الحملات الغازية اتجهت إلى مصر والمغرب العربي وحتى إلى قسطنطينية بما فضح أكثر فأكثر حقيقتها وغاياتها.
وما أن طردت جيوش الغزاة الأوروبيبن بعد كفاح دام، حتى بدأ التحضير لغزو البلاد العربية من جديد فكانت حملة نابليون على مصر عنواناً لزمن قادم، ثم كانت الخيانة الكبرى للعهود والمواثيق التي أبرمت مع العرب خلال الحرب العالمية الأولى، وبدلاً من استقلالهم الموعود وضعت معظم بلادهم تحت الانتدابات والاحتلال العسكري المباشر، وتعرض أبناؤهم لأبشع أشكال الاضطهاد والاستغلال، وممتلكاتهم للنهب والسرقة والتخريب، وحين أرغم الواقع الدولي الجديد عقب الحرب العالمية الثانية دول الاستعمار على الجلاء عن شرقنا العربي أسبقت ذلك بخطط التمزيق التي حملت أسمي (سايكس) و(بيكو)، و بإقامة كيان غريب جديد في قلب الأرض العربية بغاية الحول بين الشعوب العربية ووحدتها وبناء مجتمعاتها المتطورة..
لم تخفت جذوة العداء الغربي بعد أن نالت البلاد العربية حريتها وصار لها دولها الوطنية المستقلة، فالكيان الذي زرعه الغرب في قلبها كان ولا يزال رأس الجسر الذي يفسر ويبرر هذا العداء المستمر مع شعوب المنطقة والدأب على التدخل في شؤونها، وقد أضيف إليه الولايات المتحدة الأميركية التي لم تتردد في إعلان أن أمن الكيان الصهيوني جزء من أمنها القومي، وهي بالتالي رسمت وترسم سياساتها في المنطقة على هذا الأساس، وواهم من يتخيل غير ذلك. وبحكم الجوار السوري لفلسطين المغتصبة كانت سورية منذ استقلالها هدفاً للعداء الغربي الذي هدد استقلالها غير مرة عبر حلفائه وأحلافه، ولما سعت إلى الوحدة مع مصر لحماية استقلالها وتمتين قوتها تآمر الغرب مجتمعاً على هذه الوحدة حتى أجهضها، وبعد ذلك رعى سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية عليها ومنها عدوان حزيران، ولم يتوقف الغرب بزعامته الأميركية عن إبداء مظاهر العداء لسورية في كل مفصل تاريخي حيث يشن منذ سنوات طويلة واحدة من أكبر الحملات الإعلامية المدعمة بتحركات سياسية متعددة الأشكال، مستغلاً هيمنته المطلقة على وسائل الإعلام العالمي وتوابعها، وعلى الكثير من المنظمات الدولية.
الحملة الغربية – الصهيونية لا تستهدف بعضاً من السوريين دون سواهم، ولا الدولة دون الشعب، إنها تستهدف سورية بكامل مكوناتها وأطيافها، والشعب السوري بحاضره ومستقبله.