تغريدة جديدة من تغريدات الانفصال عن الواقع، وهذه المرة تأتي من جهة الشركة السورية للاتصالات، والمتمثلة باعتزامها إلغاء تسديد الفواتير الهاتفية بالطريقة التقليدية التي تجري حالياً عبر مراكز خدمة المشتركين للشركة المذكورة اعتباراً من اليوم الثاني من العام الجديد القادم 2024م، واقتصار التسديد عبر أقنية الدفع الالكتروني حصراً، من خلال حسابات الدفع الالكترونية، عبر المصارف المرتبطة مع منظومة مدفوعات، وخدمتي سيريتل كاش، وكاش موبايل عبر شركتي الخلوي.
الذي لا شك فيه هو أن مثل هذا التسديد للفواتير الهاتفية عبر أقنية الدفع الالكتروني من شأنه أن يخفف الكثير من الأعباء عن المشتركين، سواء كانت أعباء تكاليف الوصول إلى المراكز الهاتفية – فهناك الكثير من المستخدمين يسكنون بعيداً عن تلك المراكز ولاسيما أبناء الأرياف ووسط أزمة نقل لا ترحم، لا من جهة الازدحام ولا من جهة ارتفاع أسعار التنقل – أو أعباء الانتظار الذي يكون مديداً في كثير من الأحيان أمام كوى التسديد، أو الأعباء الناجمة عن تصرفات بعض العاملين في تلك الكوى عندما يتظاهرون أنْ ليس بحوزتهم القطع النقدية الصغيرة اللازمة لاسترجاع ما يتبقى للزبون من أموال إن استلزم الأمر ذلك، فيضطر المستخدم لترك ما تيسر من أموال زائدة تساهم في زيادة غبنه مهما كان المبلغ بسيطاً.
نعم .. الدفع الالكتروني يلغي هذه المعاناة كلها بالفعل، ولكن لنجاح هذا الإجراء كان لا بد من أن يكون مسبوقاً ببنية تحتية سليمة ( بشرية وتقنية ) حتى نضمن تنفيذ مثل هذه العملية بسلاسة ويُكتب لها النجاح بعيداً عن خلق معاناة جديدة تكون أكثر صعوبة وتعقيداً من المعاناة الناجمة عن التسديد الشخصي في المراكز الهاتفية.
فهناك عشرات آلاف المستخدمين – ولا سيما كبار السن – غير مهيّئين حتى الآن وغير قادرين على التعاطي مع مثل هذه التقنيات التي تستلزم الانخراط مع تطبيقات وخطوات مطلوبة لا طاقة لهم باستيعابها، فقد صار لزاماً اليوم على كل مستخدم إنشاء حساب الكتروني لدى أحد أقنية الدفع الالكتروني (مصارف – شركات الخلوي) لإدخال البيانات الشخصية، ومن ثم الذهاب إلى المصرف أو شركة الخليوي لاستلام اسم المستخدم وكلمة المرور، ويستلزم الأمر أيضاً تعزيز الحساب برصيد مالي كافٍ لدفع الفاتورة عبر المصارف أو النقاط المعتمدة لإيداع رصيد وكذلك عبر نقاط البيع لشركات الخلوي والموزعين المعتمدين .. وبعد ذلك تأتي الفاجعة عند الكثيرين بالدخول للتطبيق الخاص بالقناة التي يختارونها واتباع تعليمات التطبيق ( رسوم – فواتير ) ومن ثم اختيار السورية للاتصالات / هاتف أرضي – الاتصالات/ وبعد ذلك التأكد من إدخال الرقم الذي سيتم تسديد فاتورته بشكل صحيح ( مع رمز المحافظة ) ومن ثم اختيار دفع .. ويلي ذلك التأكد من تثبيت الدفع .. وتنتهي العملية بإشعار أو رسالة sms من التطبيق بإتمام الدفع!
“السورية للاتصالات” هل تعتقدين أن هذه الإجراءات سهلة على الجميع ويستطيعون القيام بها من ( قفا أياديهم ) من دون أي مشاكل ولا أخطاء ولا معاناة؟!
ولنفترض أن الجميع هبوا لفعل ذلك بكل أريحية فهل تعتقدين أيضاً أن اقتصار التسديد على أقنية الدفع الالكتروني سيكون متاحاً عبر شبكة الأنترنت التعيسة والسيئة التي توفرينها للمشتركين؟!
“السورية للاتصالات” تضع نفسها أمام مجازفة كبرى، وستُظهر بشكل فاقع سوء خدماتها، وكان عليها أن تجد طريقة للتشجيع على اعتماد الدفع الالكتروني ولكن مع ترك الباب مفتوحاً لمن يرغب بالدفع المباشر عبر المراكز كي لا تُغرد بعيداً بانفصالها عن الواقع.