الملحق الثقافي- ر – د:
يلعب الإعلام دوراً مهماً في الحروب لجهة بثِّ معلومات تخدم جهة ضد أخرى، وتساهم بحرف الرأي العام العالمي وفق مصالح الإعلام الغربي، لكن كيف استطاعت القيام بصناعة التضليل في «طوفان الأقصى» وحرف الحقيقة عن مسارها؟
يبني سردية
الباحث في العلوم السياسية الدكتور عصام الدكشوري رأى أنَّ للإعلام دوراً أساسياً ومحورياً في نقل الحدث وقولبته في إطار يخدم توجهات الدول وتكريس سياساتها في أذهان الشعوب والتأثير على الرأي العام في رسم مشهدية تخدم المخططات الموضوعة لمصلحتهم ويتفلَّت من عقال الأخلاقية والموضوعية حين يتحوَّل إلى أداة هدامة في تزوير الحقائق وتكريس الأكاذيب ليتشربها الرأي العام وتغدو كأنَّها حقائق راسخة.
كما أشار الدكتور الدكشوري إلى بدء البحث عن مصادر أخرى للوقوف على حقيقة ما يجري من أحداث حول العالم ومنها منطقتنا الزاخرة بالكثير منها فيتسلل الإعلام المضلل في العالم الغربي عموماً والمعادي منه خصوصاً ليبني سردياته بحسب ما تقتضيه مصالح العدوان في إطار ضخ كم هائل من أكاذيب يكررها حتى تغدو كأنَّها حقائق مسلم بها ويبني على أساسها كل مواقفه ويقود الرأي العام على أساس السرديات نفسها والأكاذيب ذاتها.
كما رأينا غداة «طوفان الأقصى» وماتلاه من أكاذيب عن قطع لرؤوس الأطفال والنساء وعن مذابح حدثت جعلت بايدن يتبنَّى سردياتها قبل أن تنفضح أمام الرأي العام ويضطر للتراجع عنها؛ مُنوِّهاً بأنَّ الإعلام المقاوم كان له الدور الأبرز في كشف الحقائق أمام العالم، مستنداً إلى الأداء المتميز في نقل الحدث صوتاً وصورةً بشكل مباشر لمواكبة الأحداث المتسارعة وتسليط الضوء عليها وكشف خفاياها وأبعادها مباشرة قبل مسارعة العدو لبناء سرديته المستندة للأضاليل والكذب، وأفرزت مرحلة العدوان على غزة جملة من حقائق موضوعية لمواكبة الأحداث بما يخدم نضالنا وقضيتنا العادلة في فلسطين.
مفاهيم إعلامية
الباحثة الفلسطينية الدكتورة نجلاء الخضراء أشارت إلى أنَّ الدول الغربية تستثمر كثيراً من الأموال في بناء قوتها الإعلامية لتحقيق أهدافها السياسية والتأثير في اتجاهات الجماهير فتحالفت مع البعض لفرض سيطرتها إعلامياً على أنَّها القوة الحامية للأمن العالمي، نتيجة ضعف وسائل الإعلام العربية ما سمح للغربية بأخذ دورها في صنع الخبر واعتماد مفاهيم إعلامية تقوم على الخداع وتضليل الرأي العام. منها: إدخال الشعوب في خندق التشكيك، ومخاطبتهم بلغة التميُّز؛ ونعت الأخرى التخلف، مُتسائلةً: كم من حدثٍ هطلت فيه الدماء الفلسطينية غزيرةً ونقله الإعلام الغربي مُوجِّهاً أصابع الاتهام للضحية ومُمجِّداً صنيع الجلَّاد.
ثم أشارت إلى أنَّ الإعلام الفلسطيني استطاع مُؤخَّراً إحياء قضيته كقضية رئيسة؛ وإسقاط السردية «الإسرائيلية» والادعاء بأنَّ فلسطين أرض بلا شعب وفضح الجرائم «الصهيونية» بعد أن تعلَّم أساليب التأثير في الشعوب وفنون الإعلام الحديث. نذكر على سبيل المثال خدعة قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين في عملية الطوفان؛ لتبرير تحريك أكبر حامله طائرات أمريكية للأراضي المحتلة لدعم» الكيان الإسرائيلي» والادعاء أنَّ منظمة الجهاد مَنْ قصفت مشفى المعمداني لإثارة الوقيعة بين الفلسطينيين، وسيؤدِّي التضليل الإعلامي مستقبلاً لفقدان الثقة في وسائل الإعلام الغربي والتشكيك بمصداقيتها إلى أن تعيد النظر في ممارساتها وتعتمد معايير أكثر شفافية في تقاريرها.
دور سلبي للإعلام
بدوره بيَّن الأديب منذر يحيى عيسى أنَّه لايخفى على أحد بأنَّ وظيفة وسائل الإعلام تمثيل الرأي العام، والتأثير به، إلى جانب المؤسسات الحكومية وسياستها، ويكون من خلال خلق حالة من التواصل مع الجمهور؛ بعد أن توسَّعت وسائل التواصل، وتقدَّمت بشكل كبير، وأصبحت ذات تأثير في كلِّ جوانب الحياة البشرية، وأبرزها تغيير وجهات النظر، والمعتقدات الفردية، وبثّ المعلومات الخاطئة، وتشويه المعرفة، كما تلعب وسائل الإعلام أدواراً سلبية في الأحداث إذا رغبت بذلك، مُؤكِّداً بأنَّ انتشار أدوات التواصل من حواسيب مُتنقِّلة، وإنترنت، وهاتف محمول، وأجهزة لوحيَّة، يمكن أن تساهم بسرعة في انتشار المعلومات.
كما أشار الأديب عيسى إلى أنَّ الإعلام يلعب دوراً مهماً في الحروب لجهة بثِّ معلومات تخدم جهة ضد جهة أخرى، وتساهم بحرف الرأي العام العالمي وفق مصالحها ماتزال وسائل الإعلام الكبرى والعابرة للقارات في الفضاء الواسع ذاته بيد الجهات المسيطرة عليها «الصهيونية» العالمية،
وبالتالي فإنَّ الكفة ترجّح لصالح دولة «الكيان الصهيوني» في مجريات كل حرب بين المقاومة الفلسطينية خصوصاً، والعربية عموماً منذ بداية مجريات حربٍ عنيفة شنَّتها «إسرائيل» على قطاع غزة، ظهر انحيازه، فتعاطفت أغلب وسائل الإعلام الغربية المدعية الحياد والمهنية، وحرية التعبير، وأثبت الواقع عدم صحتها.
ثم أردف قائلاً: إنَّ عملية «طوفان الأقصى» أظهرت اعتماد وسائل الإعلام الغربية على الرواية الإسرائيلية، ضاربة عرض الحائط بالمهنية والحياد، وخصوصاً فيما يتعلق بتعامل المقاومة الفلسطينية مع الأسرى «قطع رؤوس الأطفال» أنموذجاً، واتهام حركة الجهاد الإسلامي؛ بمجزرة «مستشفى المعمداني» في غزة، حيث جارتها الصحف الأميركية، والألمانية بالكذب والتضليل، متابعاً بأنَّ المتلقِّي لما تبثُّه هيئة الإذاعة البريطانية يلاحظ استخدامها لكلمة «موتى» للشهداء في غزة وكلمة «قتلى» للإسرائيليين ما يحمل مضموناً مخالفاً للواقع، ويوجِّه رسائل خاصة للعالم لتشويه الحقائق بالتركيز على وجود أنفاق تحت مستشفى المعمداني بنتها المقاومة، وأعطت وسائل الإعلام المبرر «لإسرائيل» لقصف المستشفى والأحياء السكنية المكتظة بالسكان بحجة وجود أنفاق تحتها فذكرت وكالة (c.n.n) الأميركية ما قاله الجيش الإسرائيلي بأنَّ حماس ربما أخطأت في إطلاق صواريخ على المستشفى، وحاولت «سكاي نيوز» البريطانية إبراز عدم تحققها من خبر استشهاد المئات بالقصف على المستشفى ولم تتمكَّن الوكالة من التحقُّق بشكلٍ مستقلٍّ من التقرير.
بينما أوضح بأنَّ الإعلام الغربي يتبنَّى كلَّ ما يرد من «إسرائيل»، ويظهر للرأي العام العالمي وحشية وشيطنة العرب والمقاومة لتكون «إسرائيل» بموقع الضحية، مُشيراً إلى أنَّ الحرب سُلِّطت أيضاً على وسائل الإعلام لكلِّ من حاول إظهار الحقيقة من الإعلاميين، حتى درجة طردهم من عملهم، ويُعتبر الفعل مؤشراً على زيف الادعاء بالمهنية والحيادية، وإسكات الأصوات المغايرة لروايتهم التضليلية.
فيما عزا رئيس فرع طرطوس لاتحاد الكتَّاب العرب الأسباب إلى دور رأس المال «الصهيوني» في دعم المؤسسات الإعلامية الغربية وتسخيره بشكل كامل لمصلحة «الفكر الصهيوني» وٱلة حرب عدوانية تقودها دولة «الكيان» الغاصب «إسرائيل».
العالم يفقد الثقة
الأديبة أسمهان حلواني رأت أنَّ الإعلام بوسائله المتنوِّعة كان المصدر الموثوق يرجع إليه الأفراد لقراءة الحدث ومواكبة تطوراته خاصة في فترات الحروب؛ لكن ما حصل في الأحداث الأخيرة جعل معظم العالم يفقد الثقة في مهنية الإعلام ومصداقيته، والسبب التضليل الإعلامي ولا سيَّما الغربي بانحيازه الكبير يقلب الحقائق ويثقل كفة الميزان لصالح مَنْ يقتسم معه المصالح، ماحدث في التمهيد لاحتلال العراق وشنِّ الحرب على شعبها، ما لوَّن الحقائق وحدث في حرب غزة حيث يقوم الإعلام الغربي بمنح الكرت الأخضر «لإسرائيل» وتبرير القتل الوحشي لأكثر من 14000 قتيل ربعهم من الأطفال الأبرياء والجرحى والجيش الأبيض في اعتدائه السافر على المشافي من خلال تضليل العالم ومحاولة إقناعه بوجود أنفاق تحت المشافي أو بؤر مقاومة تختفي في دهاليزها أو تصوير الشعب الفلسطيني المقاوم على أنَّه غاصبٌ معتدٍ على المدنيين «الإسرائيليين»، مُؤكِّدةً أنَّه جعل هناك جيشاً آخر ينبري لإنقاذ مصداقية الإعلام الإلكتروني، فهبَّ لفرض الحقائق بصور مختلفة الوجهة حيث جرَّد المشاهد من التحيُّز الغربي وعرَّى الحقيقة واجتهد لإيصال المضمون العربي الفلسطيني إلى رقعة كبيرة من العالم في محاولة لوقف استنزاف الشعب الفلسطيني وإبادة قضيته وأحقيَّته في أرضه، ولابدَّ من وضوح الفكرة للعيان بأنَّ الإعلام المنحاز من ضمن أجندة مجنَّدة لوأد فكرة إقامة الدولة الفلسطينية وشرعية المقاومة بكل أشكالها كان التطوير لأدوات إعلامنا المهني ضرورة واجبة للوقوف أمام كلِّ المخططات من أجل كشف حقائق التضليل.
العدد 1170 – 5 -12 -2023