الملحق الثقافي:
يرى د. نبيل دجاني أنه دون نظام أخلاقي عالمي موحد لن تكون هناك عدالة ومنطق في وسائل الإعلام العالمية
لا نقرر حقيقة، ولا نأتي بما ليس معروفاً، إذا ما قلنا إن الحرب العدوانية الشرسة ضد سورية التي شهدناها منذ أربع سنوات ونيف, هي في القسم الأعظم منها من صناعة التضليل الإعلامي, وإن وسائل الإعلام المقروء والمكتوب الدئرة في فلك المال النفطي, والمصنوعة في أقبية المخابرات الغربية, هي أدوات الإرهاب الأولى علينا وعلى العالم كله, فلم يعد الإعلام هذا وسيلة تقارب وتواصل وتفاعل, بل غدا بشكله الذي رأيناه سلاحاً فتاكاً مضللاً لا بل بثقة نقول إنه طاعون العصر المرعب, أين منه الايدز والسرطان وبقية الأمراض المستعصية والمزمنة.
عالم ينوء بما أنتجه الغرب الضال المضلل, وباعه وسوقه إلى مال السحت في ممالك الرمال, علماء وتقنيون, ومن مختلف الصنوف العلمية يقفون وراء رسم الاستراتجيات الإعلامية التي رأينا طوفانها علينا حقداً ودماراً وموتاً وتضليلاً, بدا العالم الذي عمل صناعته يدفع ثمن وجوده.
وعلى المقلب أو الطرف الآخر من هذا الضلال والتضليل, ثمة ما يمكن الحديث عنه, من إنجازات تحققت على أرض الواقع, كان بطلها الإعلام المقاوم, أعني به الإعلام الملتزم قضايا وطنه وشعبه, الأخذ بقرار أن الإعلام أمانة ورسالة تخدم أهدافاً نبيلة , ليس لنشر الأحقاد والضغينة والرذيلة, ولا هو للتضليل ونشر الإرهاب, الإعلام السوري ومعه الإعلام الرديف, أينما كان حطم أساطير ومفاهيم إعلامية, وكشف كم هم والغون في سفك الدم العالمي البريء, وليس السوري وحده, لم تنفعهم ابتكارات : شاهد عيان ولا فكرة كل مواطن هو مراسل, ولا كل أجهزة البث الحديثة جداً التي لا تمتلكها حتى الدول ولا برامج التضليل, ولقاءات علماء اجتماع التضليل, وكل ما حشدوه كان ركاماً من كرتون, لم يقو على الصمود والبقاء أمام الحقيقة التي جسدتها الرسالة الإعلامية السورية.
اليوم بعد كل الذي جرى ويجري,وبعد كل ما سددوه من سهام حقد وغدر, تارة بأيد قريبة إلى إعلامنا واتهامات ليست من الحقيقة بشيء, يعود العالم إلى دمشق إلى سورية, وثمة علماء وأعلاميون ومتخصصون, ومفكرون وقادة رأي يجتمعون ليبحثوا في ضرورة أن يواجه الإعلام الدولي الإرهاب, وأمامهم إنجازات حقيقية على أرض الواقع تؤسس لحقائق ولمواثيق يجب أن تكون علائم على طريق الرسالة الإعلامية, في كل مكان, فالإرهاب الإعلامي هو الأكثر وحشية وتطرفاً, والأكثر قدرة على الوصول إلى غاياته وأهدافه, وهذا لم يأت من فراغ, فالحضارة المادية التي تركت القيم والمبادىء, ومشت وراء الغايات المادية والهيمنة, وجعلت كل شيء مسخراً لخدمة العولمة المتوحشة, هي المسؤولة عن ذلك, في البنية الثقافية والفكرية والتربوية والاجتماعية.
الإعلام رسالة تستلزم متلقياً, وما بين المرسل والمتلقي ثمة ما يقال وما يراد له أن يقال وينشر, واليوم تحددت حسب الإعلامي الطاغي تحددت هذه الرسالئل بغابة من المعاني والرموز المضللة يعمل على إخراجها وبثها مختصون حقيقيون في التضليل والإشاعات وما إلى ذلك من وسائل التاثير في المتلقي.
إنه الفضاء المفتوح على كل الناس, ولكل الاتجاهات, والمسخر له كل ما يضلل, ما يستدعي وسائل غير عادية تواجه هذا الضخ الهائل عبر الإعلام المئي والمسموع والمقروء, وعبر وسائل التواصل غير التقليدية, ويجب النظر إلى أن المشغل الأساس لهذه الوسائل أنه هو من يغض الطرف عن هذا العنف المؤسس للقادم من الأجيال التي انفلتت من عقال التربية المنضبطة لتقع بين فكي وحوش مفترسة تتغذاها بهدوء وروية لتدفع بها إلى غابة الحياة وهي من الشراسة والوحشية بحيث لايمكن أن تعاد إلى رباط العقل, إنما قيدها ومدادها بيد من دجنها وجعلها وحوشا كاسرة.
العالم اليوم مدعو عبر هذا المؤتمر أن يكون أمام مسؤولياته الحقيقية, وأن يدعو الأمم المتحدة إلى عقد ميثاق إعلامي عالمي, توضع معاييره من قبل خبراء, ويكون الإنسان والحضارة غايته وهدفه.
الحقيقة مقلوبة
في الكتاب الهام الذي أصدره مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت وحمل عنوان : العرب والإعلام الفضائي , عام 2004 وفي مشاركة للأستاذ نبيل الدجاني، والتي جاءت تحت عنوان يقترب من موضوع هذا المؤتمر: أجهزة الإعلام الغربية وموضوع الإرهاب, يروي نبيل الدجاني التالي: هذا نص رسالة بالبريد الإلكتروني استلمتها أخيراً _ الدجاني طبعاً_ تقول الرسالة : هاجم كلب شرس في حديقة في مدينة نيويورك, رأى احد المارة ما حدث فهرع للمساعدة وانقض على الكلب الشرس وقتله, صحفي في إحدى الصحف المحلية بمدينة نيويورك شاهد ما حصل وأخذ بعض الصور للحادثة ليضعها في الصفحة الاولى من الجريدة التي يعمل لها.
اقترب الصحفي من الرجل وقال له: شجاعتك البطولية سوف تنشر يوم غد تحت عنوان: شجاع من نيويورك ينقذ ولداً, أجابه الرجل الشجاع أنه ليس من نيويورك, فقال الصحفي: في هذه الحالة سوف نضع العنوان: شجاع أميركي أنقذ ولداً من كلب شرس, فقال الرجل الشجاع: أنا لست أميركياً أيضاً, أنا من باكستان.
وفي اليوم التالي صدرت الصحيفة وكان عنوان الخبر في الصفحة الأولى: مسلم متطرف ينقض على كلب في حديقة في نيويورك ويودي بحياته مكتب التحقيق الاتحادي بدأ التحقيق بإمكان وجود علاقة بين هذا الرجل ومنظمة القاعدة التي يرأسها بن لادن.
هذا الإرهاب وجهة نظر أميركية
ومن المفيد هنا أن نقدم بعضاً من مشاركة نبيل دجاني ولاسيما اقتباساته, يقول الكاتب دجاني: يعرف الكاتب والناقد اليهودي جيف كوهين الإرهابي: ذلك الذي يستهدف الطائرات والسفن المدنية, إلا إذا نسف طائرة مدنية كوبية. أدى إلى مقتل 73مدنا ومن ثم أطلق النار على سفينة شحن بولونية, كما فعل أورلندو بوش, في هذه الحالة فإن وزارة العدل الأميركية تعامله برفق وتطلق سراحه ووتسد سبل تسليمه .. إنه ذلك الذي يسهل قتل المدنيين إلا اذا كانت الضحايا 900فلسطيني تم قتلهم وتقطيعهم إربا إربا أمام مشهد من جنود وزير الدفاع الاسرائيلي إرييل شارون, كما حدث في مخيمي صبرا وشاتيلا, أن شارون الذي يتحمل المسؤولية عن المجزرة أصبح رئيس وزراء اسرائيل وحليف أميركا في حربها على الإرهاب ولقب رجل السلام .
ترى ألم يقل الشاعر العربي قبله أديب اسحاق *
قتل امرئٍ في غابةٍ
جريمةٌ لا تُغتَفر
وقتل شعبٍ آمنٍ
مسأَلةٌ فيها نظر
والحقُّ للقوَّةِ لا
يعطاهُ الاَّ مَن ظفر
ذي حالة الدنيا فكن
من شرّها عَلَى حذر
وفي مكان آخر يقول دجاني نقلاً عن مايكل بارينتي في كتابه اختراع أو فبركة الحقيقة: إن تحديد سياسة وسيلة الإعلام التي تصفه, فحرب العصابات الشعبية تصفها وسائل الإعلام الغربية عادة بالإرهابية بينما يوصف المرتزقة في انغولا ونيكاراغوا وموزمبيق ممن توظفهم الاستخبارات المركزية بالثور, وهذه الوسائل تنعت عمل الدول اليسارية التي تدافع عن نفسها في وجه هؤلاء(الثوار)بإرهاب الدولة ولا تستعمل هذا النعت لما تقوم به الولايات المتحدة من كبت للحركات التحريرية الشعبية في العديد من دول العالم
.الإعلام اخلاق
أليس هذا الذي يجري الآن إذ تصنف الولايات المتحدة ومعها الغرب الإرهاب ما بين خير وشرير, أليست الازدواجية هي ذاتها لم تتغير, ربما تغيرت الأساليب وبقيت الغايات والأهداف.
الغرب الذي يدعي الحرية الإعلامية, هو الأكثر قمعاً وتضليلاً لها, وهو الممول لكل الإرهاب الإعلامي مالا وتقنية واستراتيجيات وخبراء, وخير ما يمكن أن نختم به هو أيضا عودة إلى نبيل دجاني إذ يقول في خلاصة دراسته :إن القفزة الهائلة في الإعلام للآسف لم يصاحبه تغيير أخلاقي وخاصة عند الغني والقوي, وبالتالي فإن الحداثة وما يسمى التقدم في مجال الاتصال كانا على حساب القيم, وهكذا نرى أن القيم المادية للغني والقوي تسود في عمل وسائل الإعلام ومن هنا نرى اهتماماً قليلاً بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية لوسائل الإعلام.
ويضيف: إن العلة الأساسية في نظام الإعلام العالمي الحالي هي أخلاقية قبل أن تصبح بنيوية, فمهما كانت البنية متينة فإنها ستنهار إذا فسدت الأخلاق, وفي النهاية السائق أهم من السيارة, فالذي يستعمل التقنيات الحديثة يقرر شكل الناتج, من هذا المنطلق نرى أنه لايجوز تقرير شكل التغيرات البنويية للحداثة من قبل القوى العالمية المسيطرة كما تطالب أميركا وبعض الدول الغربية, إن التغيير المطلوب في النظام العالمي الإعلامي الحالي هو الذي يمكن أن يعطي الدعم الأخلاقي اللازم للممارسة الإعلامية المسؤولة, وقد أثبتت أميركا والغرب عموما أنها غير مؤهلة لأن تكون قدوة في هذا المجال, ومن دون نظام أخلاقي عالمي موحد سنرى تفسيرات ومواقف مختلفة من الأحداث والأنباء, ولن نتوصل إلى منطق موحد عالمياً, وكذلك لن يكون هنالك دقة وعدالة في وسائل الإعلام العالمية.
العدد 1170 – 5 -12 -2023