ينتظر العالم كلّه متغيرات جوهرية ستترك تأثيراتها في بنية الحكومات والدول والمجتمعات وذلك تبعاً لمخرجات العدوان على سورية أولاً وعلى فلسطين والمنطقة تالياً ، فدمشق الشام التي كانت مهد الحضارات ومصدرها للعالم كله، ستبقى تقوم بالدور ذاته وتقدّم المهمة ذاتها، وتحقق الانتصار المعهود ،وستعطي العالم أنموذجاً يحاكي خطّ التطورالطبيعي، بما يثبت خطأ الحدث التاريخي الناجم عن تنفيذ سياسات عدوانية أساسها المطامع في الحصول على الثروات والسيطرة على مقدرات الشعوب الضعيفة، فالدولة النموذج ذات المساحة المحدودة، وعدد السكان المحدود اجتمعت ضدها عشرات الحكومات، ووضعت سيناريوهات لتدميرها بحيث تمنع إخراج ذلك النموذج الموعود الذي يسقط الكثير من النظريات الاستعمارية، ويستبعد الآليات التي تنتج كيانات سياسية مرتبطة بعجلة الاقتصاد الإمبريالي والصهيوني، وتتبع في سياستها المرجعية الصهيونية وترتبط مباشرة بالكيان العدواني في تل أبيب، وذلك ليس في المنطقة العربية وحدها، وإنما في أرجاء الأرض كلها، فالصهيونية كحركة سياسية ذات طبيعة عنصرية تخطط للسيطرة على مقدرات الشعوب كلها من جانب، والتحكم بالقرار السياسي للحكومات بما فيها الإدارة الأميركية ذاتها من جانب آخر ، وإن كانت ترعى وتدعم الفكرة الصهيونية بنفسها. وكانت مواقفها تؤكد ذلك الدعم المستمر دائماً ، ليأتي العدوان على غزة وفلسطين مؤخراً مؤكداً بنيوية الارتباط العضوي ما بين كيان العدوان والبنية الاستعمارية التاريخية والمتجددة، فكان الدعم العسكري والجسر الجوي الأميركي مرافقاً ومصاحباً للعدوان الصهيوني ، كما سارعت الأساطيل الغربية للإبحار باتجاه الشواطئ الفلسطينية بمواجه غزة ، فيما يعكس حقيقة العدوان الأوسع ، والاستهداف الأبعد للمنطقة العربية كلها – وخاصة سورية – بما تمثل من مكانة تاريخية ، وما شكلت من موقع وموقف أفشل المشروع الغربي المسمى بالربيع العربي.، وما زالت سورية متمسكة بذات الموقف المعتدي للمشروع الصهيوني وكلّ المشاريع العربية وتدين جرائم الغرب الاستعماري التي لم تتوقف يوماً ، وهي مستمرة الآن في العدوان على غزة كتفصيل من العدوان الأوسع على الأمة العربية كلها بما فيها فلسطين كاملة .
وهنا قد يرى البعض أن الموقع الجغرافي والسياسي والاجتماعي لسورية يجعلها غير قادرة على التأثير في السياسة الدولية بعد سنوات العدوان الإرهابي وما رافقه من حصار وعقوبات ، لكن من يتابع المتغيرات التي شهدتها الساحة الدولية على مدى سنوات العدوان على سورية يوقن أن كلّ المخططات ضدها ذهبت أدراج الرياح وأن رؤيتها الواضحة المسبقة كانت موضع اعتراف ، جلي أو ضمني في الفترة اللاحقة، وأن كل المراكز والشخصيات التي عادتها ووقفت ضدها سقطت أو هي في طور التساقط، وفي النهاية أن الاحتمال الذي تراه مخرجاً للمجتمع الدولي كله من مستنقع الإرهاب يبقى الأسلوب الوحيد الذي يعيد للمجتمع الدولي مكانته وللدول العظمى دورها، وللقانون الدولي هيبته واحترامه وفاعليته، خلافاً لما يتم التعامل به اليوم مع العدوان الصهيوني على غزة ، بما يعيد حالة التعامل الدولي في العدوان على سورية وبالتالي فإن مخرجات العدوان ستحافظ على وحدة وسيادة سورية وستشكل حجرالأساس للعلاقات الدولية في الفترة القادمة، إذ سيتم نسخ الكثير من سياسات الهيمنة والتسلط والعدوان، في ظلّ تغير شكل منظومة المجتمع الدولي بما تحتمله من إعادة صياغة الكيانات السياسية وتفتت أكبرها حضوراً وأقواها تأثيراً، وما الرؤية إلا نتيجة تحليل علمي واقعي يعمل الكثير من الباحثين على متابعة فصول تطوره وسط حالة استغراب كبرى. فالعدوان الوحشي على غزة يماثل ذات العدوان على سورية ، أحدث الكثير من الدمار لكنّه لم يحقق أهدافه ، وفي النهاية كان انتصار الإرادة الوطنية ، وهو الأمر الحتمي.