الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
تتفرَّد اللغة العربية عن باقي اللغات بأنَّها الأكثرانتشاراً في العالم ومازالت تتمتَّع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب ونحو وصرف وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة؛ لكن ما واقعها الراهن، وواجبنا نحوها، وكيفية استخدامها في مواقع التواصل الاجتماعي لا سيَّما الفضاء الأزرق الأكثر انتشاراً بين الفئات العمرية الشَّابَّة.
إنَّها لغة الضاد
رئيس فرع طرطوس لاتحاد الكتَّاب العرب منذر يحيى عيسى رأى بأنَّ للغة مكانةً متفرِّدة بين لغات العالم. يعطيها الجمال بمفرداتها العديدة ما يفوق المئة للمفردة الواحدة، ولتكريمها لابدَّ من تسليط الضوء على دورها في التواصل والانجاز الإبداعي والفكري للعرب، وإبرازأثرها في النهضة الأوروبية: فلسفةً، أدباً، علوماً متعدِّدة الحروف، وعلاقة الترجمة ودورها في نقل الأفكار بين الشعوب،. ولايخفى على أحد اعتمادها في الأمم المتحدة لغة رسمية من ضمن ستِّ لغات عالمية وكان بغاية تنوعها الثقافي واللغوي، واحتراماً لإسهاماتها في تراث البشرية، لافتاً إلى أنَّها أوسع اللغات انتشاراً في بقعة جغرافية يقطنها المتحدِّثون بها، حيث يبلغ عددهم حوالي 400 مليون نسمة. وإنَّ تعدُّد لهجاتها، وفنونها الأدبية المكتوبة وتأثُّر لغات أخرى بها كالتركية والفارسية والكردية، واليابانية، إمَّا بالمفردات أو بالأحرف والكتابة بالحرف العربي، ولا ننسى تأثر اللغة الاسبانية والبرتغالية والمالطية.
وأشار إلى ميزات خاصة تتصف بها وأهمّها طريقة كتابتها من اليمين إلى اليسار، ووجود حروف الضاد والصاد والظاء، إضافة إلى تعدُّد اللهجات، إنَّها لغة القرآن الكريم؛ كتاب الإسلام أكثر الديانات انتشاراً في العالم، ولغة الحضارة العريقة، منوِّهاً إلى ما توصَّلت إليه البشرية والتنمية الاجتماعية من تطورفي واقعنا الراهن، عصر التطور التقني طباعة رقمنة ما انعكس إيجابياً، لكنَّه جانب سلبي يطمس الهوية المحلية، وهناك حروب ثقافية؛ ومنها حرب المصطلحات كالليبرالية الجديدة ما وضعها بمواجهة اللغات الأخرى، وانعكست الأزمات المعاشة على موقع العرب في العالم بسبب الحالة الاقتصادية والسياسية، ما أدَّى إلى هيمنة لغات أخرى كالإنكليزية مثلاً وسببه التخلي عنها من أهلها “عقدة الأجنبي” واستخدام لغات أخرى في المجالات الرسمية، والتوجه الفرانكوفوني والأنكلوساكسوني، وقلة من الدول العربية، ومنها سورية؛ حافظت على لغتها العربية حتى الآن.
الحفاظ على الهوية
كما أوضح الأديب عيسى بأنَّ التركيز على اللغة محاولة للحفاظ على الهوية وتأكيد الانتماء، والاعتزاز بالتراث الثقافي والحضاري، وأنَّ هناك انعكاساً سلبيَّاً للعولمة، وخصوصاً في مجال الإعلام، وهيمنة اللغة الإنكليزية، وحلولها لدى الكثيرمن الشباب محل العربية، وساهم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لدرجة الإدمان وسرعة التفاعل مع الأحداث والتعبيرعنها إلى الوصول للغة هدفها سرعة التوصيل واستخدام اختصارات وأحرف لاتينية،كما أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي لغة خاصة؛ اعتادها أغلب روَّاد المنصَّات لغاية السرعة، ما خلق فجوة بين أبناء الأجيال الجديدة ولغتهم العربية وانتشار فكرة لدى أصحاب الاختصاصات عن جدوى التقيُّد بقواعدها، والفائدة منها في مجال العلوم التطبيقيه والعلمية البحتة! ولأنَّ وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر الوساىل فعالية في تمكين الفرد من الدخول في علاقات مختلفة، كان لابدَّ من تطور اللغة المرتبط بتطور الأفراد مع ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية والتاريخ والثقافة.
وأردف قائلاً: إنَّ وسائل التواصل يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تعلّم اللغة العربية من خلال مواقع يشرف عليها مختصون، فالعربية لغة أسست لحضارة العالم بأسره، إنَّها هويتنا، ولكن أصبحت لدى الكثيرين لغةً ثانية، حيث نشرت وسائل التواصل مفردات هشَّة وغريبة وركيكة وبلهجات تضرها، كلّه كان بسبب الاستسهال، ما خلق حالة غريبة بين الشباب ومجتمعهم، وابتعادهم عن واقعهم الحالي، ومحاولة الهروب، ويعتبر الدور السلبي لوسائل التواصل.
ثم أضاف رئيس فرع طرطوس لاتحاد الكتَّاب العرب بأنَّه يمكن لوسائل التواصل عن طريق استخدام لغة سليمة ردم الهوة وتجاوز المصاعب من خلال لغة محايدة، لكنَّها تمتاز بالسهولة، ولتحقيق التواصل السليم من جهة والحفاظ عليها في أخرى، فإنّ ركاكة المفردات يمكن أن تسهم بإضعاف التواصل، وبالتالي علينا في لغة الخطاب والتواصل الابتعاد عن اللغة المقعَّرة، ولغة المعاجم، فليس من الضرورة استخدام مفردات غير متداولة يمكن تجاوزها من خلال مفردات أكثر سهولة وتعبيراً ومقدرة على الوصول، مُبيِّناً بأنَّ الظواهر تستحق الوقوف عندها ومعالجة الخلل فيها من منطلق الحفاظ على اللغة العربية، لأنَّها الرباط الحقيقي بين العرب ويتمُّ الحفاظ على التراث والهوية الحضارية لمواجهة محاولات طمس الهويات المحلية والخاصة بالشعوب.
تبسيطها
طرح الشاعر صقر عليشي وجهة نظره لخَّصها في نقطة جوهرية أحبَّ أن يتحدَّث عن تطوير لغتنا وتبسيطها إذ ليس من المقبول أن ينجح الطالب بتفوق ويرسب بمادتها أو يأخذ علامات متدنِّية في لغته الأصليَّة.
إنَّها حقيقة نعرفها جميعاً، لافتاً إلى أنَّه منذ ولد يدرس ويبحث ويكتب الشعر ويستقصي ويعيش مع اللغة؛ لكنَّه لايزال يُخطئ لفظاً وكتابةً بها فما بالكم بالآخرين؟
وبدلاً من الاهتمام بالتبسيط والتطوير والبحث في المعيقات الجدية أمام الدارسين والمتحدثين
يكون الاتجاه نحو التشدُّد والتقعُّر.
يدرس الطالب الأجنبي لغتنا فيجدها من أصعب اللغات وإذا لم ينسحب منذ البدء فإنه يكمل بما يمكنه تحصيله دون أن يحلم بالقليل من الإجادة بها ولن ينسى ما حدثه به يوماً صديق روسي يدرس العربية في معهد الاستشراق في موسكو وبعدها عاش لسبع سنوات في سورية آملاً إتقان لغة يحبُّها ويوم مغادرته قال له: إنَّني عائدٌ وكلِّي خيبة في تعلُّم العربية. لقد أتقنت الإنكليزية والفرنسية، وترجمت منهما الكثير من الكتب، وتعلمتهما بجهد ذاتي دون دراسة أكاديمية وحتى الآن لا أجرؤعلى ترجمة صفحة واحدة من كتاب في العربية! متسائلاً: ألا يضعنا أمام مشكلة عويصة يجب على المختصين والحريصين على انتشار لغتنا أن يكدِّوا في إيجاد الحلول لها؟!!
يوجعنا وجعها
اعتبرت الشاعرة لينا حمدان اللغة هوية وسيلة التعبيرعن الذات والتواصل مع الآخر؛ ونواجه اليوم مرايا لغتنا العربية وما تحتمله من ضياء وضياع سيوجعنا لأنَّنا نوجعها إلى درجة التخلِّي وحشو المفردات الدخيلة أو العامية بينما اللغة الغنية بالمفردات والاشتقاقات و المرادفات ودقة التعبير القادرة على التجدُّد المستمر، والأمثلة تحيط بنا تبدوعبرشاشات التلفزة في الإعلانات، اللقاءات، البرامج المتنوعة، وحتى الثقافية أو الأدبية منها، لافتةً إلى كثرة دخول مفردات أعجميَّة أو عاميَّة والهروب من الدقة اللغوية بحجة صعوبتها.
وتابعت عن وجع أكبر: إنَّ أبناء الجيل الحالي يبتعدون عنها أكثر فأكثر وكأنَّهم لم يُعطَوا الفرصة الحقيقية لاستيعابها و الاستمتاع بها ولم يعد معلم المدرسة يلتزم بصحتها “القدوة” بحيث سادت الكثير من المفردات الدخيلة والعامية، والمسؤولية مشتركة ما بين واضعيّ المناهج ومُعديّ البرامج في وسائل الإعلام، ولا يخفى على أحد أثر وسائل التواصل الاجتماعي السلبي على جمال وصحة لغتنا بحيث استسهل الأغلبية اللهجة العامية حتى المثقف وربما الأديب منهم وطغى تطعيمها بالمفردات الأجنبية “بحجة الحداثة” وكأنَّها قاصرة وغير قادرة على التطور و استيعاب مستجدات العصر؛ إنَّه “غير صحيح” لأنَّ اللغة حامل الهوية والخصوصية لكلِّ حضارة نؤكد على واجب إعادة النظر إنَّها مسؤولية القائمين على وضع المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية معاً.
خاتمة حديثها عن ضرورة الوثوق بأنَّ أعداء الأمة العربية يعرفون أهميتها في الحفاظ على الهوية فيسعدهم بل يسعون ما أمكن لتشويه سطورنا ونطقنا و تعبيرنا، وهنا تكمن مسؤوليتنا بأن نكون أكثر وعياً لها والتزاماً بل وتشبُّثاً بها، واعتمادها بكلِّ وضوح، وتقريبها ما أمكن قابلة لروح الحياة اليومية لنضمن بقاءنا ببقائها رغم كلّ المؤثرات الأخرى المعادية.
بوتقة الانتماء
الشاعرة سهيرزغبور بيَّنت قائلة: إن كانت بصمات الأصابع تميِّز بين البشر وتعطي كلاً منهم خصوصية فإنَّ اللغة تجمعها في بوتقة الانتماء، تطرق باب فكر يُحدِّد طريقها ومسارها فتتوه أيهما أسبق لكن أمراً لانتوه عنه أبداً؛ إلا أنَّها منذ أن انبلجت تواريخ الأمم كانت ناصيتها ولم يوفر العرب منذ القديم طريقة للاحتفاء بها وتعزيزها، وكثيراً ما كان توطُّنها في الأدب شعراً ونثراً ورواياتٍ، يدعم فكرة الحفاظ عليها، كما استمرَّ الأمر أجيالاً وحقباً ولغتنا لاتزال ناصعة ثرية.
كما رأت بأنَّها بدأت تفقد التركيز والفرادة مع دخول المفردات الأعجمية عليها حتى في حواراتنا و نقاشاتنا إذا يكاد أي حديث ينقسم إلى عربي وأجنبي بإقحام المفردات، وباتت تتفرَّع عن الأمر نفسه أخطاء لغوبة نتيجة الغربة المتصاعدة عنها، وزاد الأمر تفاقماً بضياع الكثير من رونقها في مواقع التواصل واختلاط آخر شابها كان بالعامية والبعد عن المطالعة، وبات العالم الافتراضي سوق مفردات مشتّتة لا يجمع بينها شيء وكلّها محشوَّة في قالب العربية، مشيرةً إلى واجبنا كأفراد أو كهيئات مختصة معالجة الأمر بسرعة قبل تفاقمه، وتعزيز حبِّها في نفوس الطلاب من خلال النشاطات الأدبية أو المسابقات أو تقديم جوائز للمتميزين بها، وبثّ روح الحماسة للقراءة أو حضور المسرحيات المؤدَّاة بالفصحى. إنَّها روح تحتاج ماء كي لا تموت وماء اللغة أن نشرب منها ونرويها.
عدم تدنيس ثوبها
بدورها الكاتبة ميَّادة مهنَّا سليمان رأت بأنَّنا نحتفي كلِّ عامٍ بيومها، ويكونُ لدينا آمالٌ وطموحاتٌ بأنْ نحتفي بها ونحنُ نمتلكُ جيلاً عاشقاً لها، محترماً لقواعدها، ولنْ يتأتّى لنا في ظلّ مناهجَ لا تُيسّرُ تعليمَ قواعدها للطّالبِ، ويحتفي الإعلام بها في يومٍ واحدٍ في العامِ، وباقي أيّامهِ بينما يحتفي بأخطاءَ إعلاميّةٍ مقروءة، ومكتوبة، عدا عن شيوعِ ظاهرةِ تقليدِ دولٍ عربيّةٍ أخرى في استخدامِ كلماتٍ بالإنكليزيّةِ أو الفرنسيّةِ، مُشيرةً إلى حاجتنا لاحتفاءٍ دائمٍ بها، فيكونُ احترامُنا لها، وتقديسُها، وعدم تدنيسِ ثوبِها الحضاريِّ الأصيلِ بلغاتٍ دخيلةٍ وقتها يكون العيدُ الحقيقيُّ لها.
مؤكِّدةً عدم جدوى إصدار قوانين في ظلّ أخطاءَ مروّعةٍ تُرتكبُ في حقِّها يوميَّاً، وتردّي كبيرِ نشهده في استخدامِها على وسائلِ التّواصلِ الاجتماعيّ، فأصبحنا نرى نصوصاً وتُمنح شهادات يُكرَّمُ أصحابُها مليئةٌ بالأخطاءِ الإملائيّة، فما جدوى أنْ نحتفلَ بها، ونحن نستهينُ بالشّدّةِ، حرفٌ تعلّمناه منذُ المرحلةِ الابتدائيّةِ، لكنْ صرنا الآنَ نرى مَنْ يسخرُ ممَّن يضعُ الشّدّةَ، ويصفهُ بأنّه يبالغُ في التّشكيلِ، ويعدُّ من يضبطُ الأحرفَ يفعلُه من بابِ التَّزيينِ! مُشدِّدةً على ضرورة إيجاد حلولاً لإنعاشِها، ومن ثمَّ الاحتفالَ بها، وتعليمَ الأجيالِ تقديسَها، وعشقَها، وحمايتَها، وصونَها، وتبجيلَها، فيكفينا فخراً أنَّها لغةُ الضَّادِ!.
العدد 1172 – 19 -12 -2023