الثورة- فؤاد مسعد :
كبروا باكراً قبل الأوان، خبِروا الموت والألم والفقد والدمار والقهر والجوع والنوم في العراء، تعرضوا لآلة حرب همجية لم ترحم حتى الرضّع، من عدو غاشم بلغت وحشيته درجة قصف المشافي والمدارس والتجمعات السكنية، بهدف تحقيق أكبر عدد ممكن من الإصابات بين الفلسطينيين، ولكن على الرغم من المعاناة تحت نَير الاحتلال هم مستمرون، إنهم أطفال غزة الذين يحاولون بين وقت وآخر رغم أنف الموت، أن يسترقوا ولو لحظات من طفولتهم بكل ما فيها من عفوية وبساطة وفرح ولعب.
يحمل هذا الواقع في داخله قتامة المشهد، “إننا نلعب لعبة الشهيد” هكذا أجابت طفلة بكل براءة عندما سُئلت عما تفعله مع أصدقائها، فقد حملوا طفلة على سرير، وتجولوا بها في مكان وجودهم على أنها شهيدة، هي لعبة ولدت من رحم الأحداث اليومية التي يعيشونها. وفي مكان آخر تجمع فتية ضمن حفرة كبيرة صنعها صاروخ إسرائيلي سقط في مدرسة لإيواء النازحين، فقاوموا باللعب والتزحلق ضمنها، في حين وجد آخرون تسليتهم في اللعب بمخلفات القصف بين الأزقة، أما داخل المخيمات فتجد فتيات تجمعن في زاوية ليلعبن لعبة العرائس بما تبقى لديهن من أدوات بسيطة وألعاب مهشّمة.
يحاولون عيش طفولتهم، يلعبون وأعينهم تحدق نحو السماء، يرصدون صاروخاً أو قذيفة قد تسقط في مكان قريب، وما إن يطمئنوا أنهم في أمان حتى يعودوا إلى اللعب، وكأن شيئاً لم يكن، عبر مشاهد وثقتها العديد من الكاميرات التي تبث الوقائع اليومية للحياة في غزة. وفي مكان آخر تجدهم يستغلون لحظات توقف دوي الانفجارات للمرح واللعب بين المقابر الجماعية يقول أحدهم “نلعب فيها وسندفن فيها”.
يُذكر أنه منذ بدء الاحتلال حربه المستعرة على قطاع غزة في 7 تشرين الأول وحتى الآن استشهد 9 آلاف طفل جراء الغارات الإسرائيلية، ويبقى السؤال الذي لن يجد العدو جواباً له: كيف لمحتل غاصب أن ينال من شعب أطفاله يلعبون مع الموت؟.