عزة شتيوي:
قم واقتل أولاً.. هي العبارة التي صنعت جهاز الموساد الإسرائيلي، وهي عقيدة الكيان الإسرائيلي، والختم المرسوم لحكماء بني صهيون على برتوكولاتهم.. قم واقتل.. هي ضرورة صهيونية لأنه بالإرهاب والموت فقط يستمر الصهاينة ومن ورائهم أميركا التي أشعلت العالم حروباً ونزاعات لتكون أميركا أولاً.
من الرحم الفاسد لفكر الاغتيالات الذي بات سياسة صهيونية، ولد جهاز الموساد وهو الذراع الاستخباراتية الصهيونية في العالم التي ترسم وتخطط للاغتيالات بأمر مباشر من رئيس وزراء حكومة الاحتلال، والتي بدأت عملها الإجرامي منذ تاريخ إعلان قيام كيان الاحتلال عام ١٩٤٨، وسبق ذلك مسلسل طويل من المجازر والمذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والعربي، وفي العالم، فتاريخ الموساد حافل بالعديد من عمليات الاغتيال البشعة التي نفذتها ما تسمى “إسرائيل” بحق المئات من العناصر والقيادات المقاومة والعلماء والمفكرين والشعراء والأدباء العرب والفلسطينيين، وحتى الأجانب، المعادين لسياسة الكيان العنصرية، وحاولت اغتيال كل مفكر، وعالم، ومناصر لقضية فلسطين، وكان من أبرز أهداف الموساد التخلص من كل شخص يشكل خطراً على الكيان الصهيوني، لأنهم يعلمون أنهم جسم سرطاني غريب زُرِع بالقوة في وسط وفي قلب الأمة العربية، حارساً للمصالح الغربية، وعلى رأسها واشنطن في المنطقة العربية لأن فلسطين تتوسط قارتي آسيا وإفريقيا، ولموقعها الاستراتيجي.
ومن اللافت أن واشنطن في كل انسداد عسكري وسياسي في المفاوضات التي تخص القضية الفلسطينية أو حتى في اشتعال الجبهات داخل وعلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة تفسح المجال لربيبتها “إسرائيل” بالقيام باغتيالات كهدية ترضية عن كل فشل سياسي أو عسكري. ومن الواضح أن جهاز المخابرات الصهيوني الخارجي: «الموساد»، هو لم يكن كما يحاولون تقديمه بأنه متماسك وقوي لولا الدعم الاستخباراتي والتكنولوجي من أميركا والدول الغربية وغيرها من بعض أجهزة المخابرات العالمية، واعتماده على ارتكاب جرائم دولية منها: الجوازات الوهمية المزورة، وانتحال شخصيات الكثير من المواطنين الأجانب، واعتماده على الخونة والعملاء، ممن نجح في إسقاطهم وتجنيدهم في براثن الخيانة والعمالة داخل عدد من الدول، حيثُ تشير بعض الوثائق والتصريحات من الملفات القديمة والتي سمح الموساد بنشرها مؤخراً إلى كيفية قيام هذا الجهاز بتجنيد العملاء، وإلى الظروف المساعدة في هذا التجنيد ومنها: الحاجات المالية للشخص والظروف الاقتصادية، والعاطفية، وضعف الشعور بالانتماء الوطني، وضعف المستوى التعليمي، وانعدام الثقة بالذات، وتوريط بعضهم بفضائح أخلاقية وتهديده لهم بفضحهم إن لم يصبحوا عملاء مع الموساد.
ويبدو تاريخ أكثر جرائم الاغتيالات وضوحاً منذ الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت يد “إسرائيل” الغادرة بتنفيذ عمليات الاغتيال في كل دول العالم وخاصة في الشرق الأوسط وفلسطين المحتلة، وتذكر الوثائق في الكثير من الكتب والدراسات بأن أجهزة المخابرات الإسرائيلية نفذت ما لا يقل عن ٢٧٠٠ عملية اغتيال منذ الإعلان عن قيام كيان الاحتلال، وهذا الرقم يشمل ما اعترفت به “إسرائيل”، فهناك الكثير من العمليات التي لم تعترف بها والكثير من العمليات التي فشلت وتبرأ الصهاينة منها، حفاظاً على سمعة جهاز استخباراتهم الذي صوروه بأنه أسطورة، ولكنه ما هو إلا سجل من الإجرام بحق كل من يعتبرهم خطراً على الكيان الصهيوني، وبخاصة قادة المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى أن هذا الجهاز مختص بقتل واغتيال العلماء والأدباء وكل الشخصيات التي تنبئ بتطور الدول العربية والإقليمية، وأينما وجدوا حتى خارج دولهم، كاغتيال الروائي والقيادي الفلسطيني غسان كنفاني في بيروت عام ١٩٧٢، واغتيال الرجل الثاني بحركة فتح خليل الوزير عام ١٩٨٨ في تونس، وغيرهم الكثير من قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بالإضافة إلى علماء إيرانيين والكثير من الشخصيات السياسية في العالم العربي، إما بهدف الفتنة أو بهدف تصفية مبادرات سلام دون أن تحسب حسابات انتهاك سيادة الدول والقوانين الدولية، حيث تمثل ممارسات واغتيالات الموساد انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول، فضلاً عن أنها تضرب بعرض الحائط القانون الإنساني الدولي، ناهيك عن أنها في كثير من الأحيان تؤدي إلى مقتل مدنيين أيضاً.
ويرجع سبب استخدام كيان الاحتلال لهذا النوع لأنه كيان قائم على القتل والترهيب وهو يلجأ عادة وخاصة مؤخراً إلى هذا النوع من الإرهاب لمحاولة حفظ ماء وجهه في كثير من الانتكاسات التي تعرض لها لمحو صورة الفشل السياسي والأمني، وأخيراً الاستخباراتي والعسكري، خاصة بعد عملية طوفان الأقصى لدرجة أن هذا الفشل أصبح معترفاً به من قبل مستوطني الاحتلال أنفسهم، لذلك وأكثر فإن جهاز الموساد وسياسة الاغتيالات هي شعار الاحتلال الصهيوني وهي بصماته الدموية التي باتت معروفة للعالم كله، وتعتبر “إسرائيل”
في هذه الأيام خاصة في عملية طوفان الأقصى وحسب محللين بأن الاغتيالات هي محاولة لإعادة ما تسميه قوة الردع” بعد تآكلها، علاوة على حسابات داخل الحكومة الإسرائيلية تتعلّق بسعي نتنياهو إلى إرضاء وزرائه الأكثر تطرفًا، خصوصًا وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”.
ولكن عمليات الاغتيال التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تحقق شيئاً لإسرائيل بل كانت وقوداً إضافياً للمقاومة الفلسطينية.