من تهمة الإبادة الجماعية في غزة تجر دولة جنوب افريقيا نتنياهو الى محكمة العدل الدولية أمام عين واشنطن ورغم أنفها ليشهق المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي في تصريحاته دعوة “لا أساس لها” و”تؤتي نتائج عكسية” ربما ندرك نحن السوريين أكثر من غيرنا مامعنى تصريح كيربي وقدرة واشنطن بسياساتها على امتداد مصالحها على أن تحول المجرم الى ضحيه ليس في عمر القضية الفلسطينية بل في كل الملفات والقضايا في المنطقة والعالم.
اعتدنا على الاعيب اميركا في تبديل الادوار وقدرتها على قلب الحقائق ووضع الارهابي والمجرم والقاتل في مقام سياسي وعقد ربطة العنق الدبلوماسية فوق حزامه الناسف وآلته الاجرامية حتى لو اضطرت اي اميركا ان تحتل المحكمة والمنظمة الدولية وتعتقل قرارها بصفتها شرطي العالم الذي يحرس مصالحه مدججا بسلاح السيطرة والهيمنة القطبية الواحدة.
الدعوة الجنوب افريقية ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية ربما يكون عنوانا لا يشفي غليل الملايين حول العالم وهم يشاهدون القتل والاجرام بحق الشعب الفلسطيني وعلى الهواء مباشرة ولكن هذه الدعوة قد تكون قصفا غير اعتيادي لاربعة من الفيتو الاميركي الذي يحاول حتى اللحظة منع وقف اطلاق النار في غزة وقد تكشف ردود الفعل الاميركية والتصريحات الصادرة حتى اللحظة من الدوائر السياسية والدبلوماسية حول نوع الدعوة المزيد من الكذب الاميركي الذي يسعى لتحييد نفسه عن المذابح بحق الفلسطيينين بينما تباد اسر بأكملها في غزة بأسلحة وقرار واشنطن.
ربما لا يكون رفع الدعوة مربكا كثيرا لواشنطن في المحاكم الدولية لانها تعتقد ان هذه المنظمات اداة بيدها وقد يكون مادفع المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر ليكون مرتاحا في قوله لا نعتقد أنّ رفع دعوة ضد اسرائيل مجدٍ في الوقت الحالي مشيرا الى أن الحلول فقط على الطريقة العالمية ولكن.. قد يكون توقيت الدعوة فاعلا في اظهار وزير الخارجية الاميركي الذي يجوب في المنطقة عاريا تماما من كل مايرتديه من دبلوماسية محاولا اعطاء مزيد من الفرص لاسرائيل لتحقيق انتصار ما تحت رداء البحث عن حلول وتهدئة ماعدا حل وقف اطلاق النار الذي يطالب به العالم خاصة اذا ماتوسعت الجبهة التي فتحتها دولة جنوب افريقيا في المحكمة وانضمت اليها الكثير من الدول التي تبدي استيائها وغضبها من الابادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
اليست هذه خسارة اخرى سياسية لاميركا قبل اسرائيل بأن تصبح التحالفات ضد اميركا والغرب واسرائيل في المحاكم الدولية ايضا في اضعف الايمان قد تتحرك كفتا الميزان العالمي الذي طالما انفردت واشنطن باللعب في عياراته وربما يكون ذلك للمرة الاولى لان القضية الفلسطينية اليوم تتصدر الملفات العالمية فهي الجريمة الكبرى في التاريخ الحديث .. وربما ايضا توقع ذلك الرئيس الاميركي عندما قال لنتنياهو انت تخسر عسكريا في غزة ونحن نخسر سياسيا .. ربما فالاحتمالات مفتوحة ولكن المؤكد أن محكمة الرأي العالمي بدأت تشنق الهيمنة الاميركية الواحدة وتبشر بعالم متعدد الاقطاب ينتج منظمات ومحاكم دولية خارج قبضة واشنطن.