الثورة – دمشق – علاء الدين محمد:
الهوية موضوع راهن إشكالي تداخلت به رؤى كثيرة، قد تختلف، أو تتفق مع وجهات النظر التي تعرض، بعضها يرى أن الهوية العربية واحدة، والبعض الٱخر يخالفه الرأي .
وفي سياق ذلك أقيمت الجلسة الحادية عشرة من الصالون الفكري الأدبي في ثقافي المزة بدمشق تحت عنوان (تعدد الهوية أم صراع الهويات) تحت إدارة الشاعر إبراهيم فهد منصور، ومشاركة المحامي والدبلوماسي السابق أحمد خزعة، والدكتور عيد الدرويش.
بدأها الشاعر منصور بأسئلته الإشكالية، وأوضح أن أول قانون من قوانين الفكر هو قانون الهوية- جوهر قانون الهوية، يقول: إن الأشياء تتغير في المظهر ويبقى الجوهر ثابتاً.
وبين أن هذا الأمر يحيلنا إلى سؤال جوهري، هل الهوية معطى ثابتاً لا يتغير، لا يتطور، لا يتحول، لا يتحور ؟ وهل الهوية تأتي من الماضي ، هل هي وراثة أم ابتكار متجدد ومستمر ، فالفلسفة جوهر الوجودية قالت: إن الوجود يسبق الماهية، وهذا يعني أن الإنسان مختلف عن بقية الأشياء، ماهيته متحققة لها هوية واضحة وثابتة متحققة، يوجد أولاً، ومن ثم في كل حياته يحاول أن يبحث عن هويته، وكأن الهوية هي في الأمام، وليست معطى، طبعاً هذا يتقاطع مع الصوفية في تاريخنا الإسلامي عندما قالت: إن الصوفية ليست إرثاً، إنما ابتكار متجدد مستمر ، الإنسان يبتكر هويته وهذا يفتح أيضاً على مفهوم الٱخر ، مفهوم الهوية.
يفترض مفهوم الآخر من هو الآخر، فإذا كانت الهوية تأتي من المستقبل- فرضاً- فأنت بحاجة إلى الٱخر ، فالآخر نقطة ضوء في طريقك، وأكثر من ذلك، لا تكتمل ذاتك إلا بالآخر ، فالآخر عنصر تكويني من عناصر الذات، هل هذه المفاهيم هي تنظير أو بعيدة عن الواقع ..؟
بالنسبة لنا كسوريين ما هي الهوية، هل هي الهوية الوطنية أم الهوية القومية، ما هي الهوية التي تجمعنا مع بعضنا البعض، هل الهوية الدينية الطائفية الإقليمية المناطقية، أم الهوية التي يصنعها الإنسان من حيث المكانة الاجتماعية المعينة.. ما الذي يجمعنا وما الذي يفرقنا؟
هناك وجهة نظر تقول: إن العربي يعيش حالة اغتراب، بمعنى أنه يتأرجح بين واقعه الحضاري والثقافي وبين ثقافة مناقضة ومغايرة لهذا الواقع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالعربي يتعرض لعملية قهر واستلاب اقتصادي واجتماعي وسياسي فكأن فقدان الهوية الحضارية قد أصبح هوية هذا الإنسان.
بينما المحامي والدبلوماسي السابق أحمد خزعة أكد أن الهوية العربية هوية متأصلة يحملها المرء منذ ولادته وبداية وعيه، وهو يؤسس لهذه البيئة التي ينشأ بها من أم وأب وإخوة و غيرهم.كلما نما كلما تأصلت هذه الهوية وهذه المفاهيم التي تزرع في ذهن هذا الكائن الذي يتطور يوماً بعد يوم، وعندما يخرج إلى المدرسة فهي النقطة الأخرى التي تتجدد وتنمو وتكبر فيها هذه الهوية، وهذا الانتماء يبقى ثابتاً في ذهن هذا المخلوق مادام حياً، ولا تتغير ولا تتبدل.
ثانياً.. نحن العرب نخطئ حينما نفكر أن هناك فواصل بين الهوية العربية، أنا أقول لا يوجد فواصل بين الهوية العربية فهي هوية واحدة، بدليل أنك عندما تنتقل من قطر إلى آخر لا تستغرب ولا تشعر بأنك انتقلت، فقط تشعر عندما تقف أمام الهجرة والجوازات، عندما تختم جوازك، أما المجتمع والبيئة فأنت فرد منها ومنسجم معها.
عندما تتكلم عن أوجاعك تجد صداها لدى الآخرين، وعندما تتطلع عن أمنياتك تجدها في أذهان الآخرين ، تماماً.
الهوية هي الذات.. وموضوع الصراع بين الهويات والمفاهيم يشدني إلى صراع الحضارات وأعتقد أنه لا يوجد صراع الهويات، مادام الحس الإنساني هو السائد، هناك قواعد مشتركة بين الناس مثل الظلم الإنساني الذى تعرض له الإنسان على يد المستعمر الذي مكث لعقود بلادنا وخرج من دون أن يترك أي أثر .
هذه الأمة المتجددة عصية على الثقافات التي تدمر الإنسان، وتسعى لاستعباده.
كلمة صراع الهويات اختراع صنعت لتمزيق المجتمعات ، وخلق مضادات فيما بينها لكي تصعد القوى الكبرى المهيمنة على العالم وتحرك هذه القوى كأحجار الشطرنج.
أما د. عيد الدرويش يرى أن الهوية هي مجموع الصفات المشتركة لمجتمع أو لأمة، تتشكل الهوية عبر تاريخ طويل، وإذا ما أسقطنا هذا المصطلح على تلك الشعوب فإننا ندرك أن الهوية متوغلة في الجذور .
هناك مصطلح مرافق للهوية وهو الانتماء الذي هو أحد مفردات الهوية، بالتالي الهوية هي الانتماء، و الانتماء ليس هوية.. أي أنا كفرد يمكن أن أنتمي لحزب.. لاتحاد ..لطائفة…الخ وهذه الانتماءات منها ما هو دائم ومنها ما هو مؤقت، المؤقت ننتقل من المدرسة إلى النقابة إلى مهن أخرى، وهناك انتماءات دائمة قبلية وعشائرية، وعقائدية ودينية، في طبيعة الحال الهوية تتجدد ولا تتبدد ،تتطور لا تتغير .
مصطلح الهوية جاء متأخراً في القرن التاسع عشر نتيجة صراع في الثقافات، الهوية تلك الميزات التي تبحث عنها تلك الأمم لكي تميزها عن مجموعات من أمم أخرى حتى لا تتماهى معها، وهناك هويات سيادة بمعنى هناك أفراد من المجتمع يستهويه بعض الانتماءات الأخرى بالتالي تترك الكثير من الخصوصية لتلك الشعوب.