الجار قبل الدار.. هل اختلفت المعايير؟

الثورة – إعداد ياسر حمزه:

يبدو أن الجار لم يعد قريباً، وأصبح أكثر بُعداً من الأمتار القليلة التي تفصله عن جاره، إذ انزوى الجيران في الظل، واختبؤوا خلف أسوار بيوتهم ونوافذهم المغلقة.
فهل مازالت مقولة «الجار قبل الدار» سارية إلى اليوم أم أن المعايير اختلفت وتبدَّلت؟.
مفردة الجيران أو الجار، أصبحت منسية ومنزوية بعدما طغت عليها مفردات أخرى مثل الصديق، وزميل العمل، وأهل أصدقاء الأبناء في المدرسة.
وأمام هذه المعارف الجديدة، لم يعد هناك سبيل لكي يتعرف الجيران على بعضهم كما كان سابقاً عبر واجب الضيافة حينما كانت النساء يستقبلن جارتهن الجديدة بالشاي والقهوة ووجبة الغداء، ثم يزرنها لتقديم التبريكات لها بالدار الجديدة والتعارف، لاسيما أن صاحبة المنزل الملاصق ستصبح الجارة الأحق بالقربى.
فالجار كان الأخ والصديق والقريب، وهو من يساندك وقت الأزمات ويقف معك وقت الفرح، وربما كان خازن أسرارك، فهو سترك وغطاؤك خصوصاً داخل تلك البيوت اللصيقة بعضها من بعض.
في الزمن الماضي، لم تكن تفصل الجيران جدران إسمنتية أو عوازل صوت، حتى أن أسلوب الحياة لم يكن مليئاً بالضجيج كما هو اليوم.
كان الهدوء يغري الحواس بأن تقتنص الرائحة والصوت ونقاء الرؤية، لذا كانت الحدود الأخلاقية التي يلتزم بها الجار مع جاره، هي السائدة في غياب الحدود المادية من جدران وعوازل.
لقد كان الجار، شئنا أم أبينا، يتشارك وإيانا رائحة الطعام، وصوت الفرح والحزن، وأحياناً الغضب. فتفاصيل بيتك، لابد أن يطلع عليها جارك حتى لو لم تطلعه أنت، لأن قرب المسافة وملاصقة الجدار بالجدار، والنوافذ المفتوحة، والأبواب التي لا تُغلق إلاّ ليلاً، تجعل الجار فرداً من العائلة، ومطلّعاً رغم غض البصر والحواس.
اختفاء الشفافية..
إلا أنه عندما تغيرت البيوت وكذلك النفوس، اختفت معها شفافية الجار مع جاره، وأصبح لكل منهما أسراره وحياته الخاصة ولم يعد يتشارك فيها مع جاره.
والتغير لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى درجة الجفاء نتيجة للمدنية وتطور الحياة في المدن التي ازداد فيها عرض الزقاق ليصبح شارعاً، ولم يعد الباب يفصله عن الباب متر أو اثنان، بل أخذا يتباعدان بعشرة أمتار أو عشرين متراً.
جيران المدينة..
مع أن العالم أصبح قرية صغيرة، إلاّ أن من كانوا قريبين بعضهم من بعض، أبعدتهم التكنولوجيا والمسافات المدنية.
ولم يعد الجدار الملاصق سبباً لإقامة علاقة ودودة، بل أصبحت العلاقات يشوبها كثير من الريبة والخوف من الجار الجنب والجار المقابل.
ولعل هذه الريبة بدأت عندما انتقل الناس من قراهم الصغيرة إلى المدينة فاختلطوا بأبنائها وأبناء جاؤوا من القرى المختلفة فأصبحوا في نظرهم «أجانب». والنظرة إلى الأجنبي أيّا كانت لغته أو لونه، هي نظرة ريبة وشك.
لذا كانت المبادرة من الجار القديم إلى الترحيب بالجار الجديد ضرورة لإقامة علاقة الجيرة الودودة التي من شأنها مع مرور الوقت، أن تقضي على الريبة والخوف.
فالباب بالباب والجدار بالجدار حتى لو كان الجار من مدينة أخرى.. ومن هذا المنطلق، أقيمت العلاقات في جو يسوده الود والوئام إلى أن انقضَّت التقنية على المدن والقرى.
فالجيرة في المدينة كانت نوعاً من الانفتاح على الآخر، والثقافات الأخرى، خلافاً للجيرة في القرى حيث تربط الجار بالجار عادة أواصر القرابة والمصاهرة قبل الجوار.
ولكن في كلتا الحالتين، كان الجار حاضراً حتى وإن اختلفت ثقافتهم وأصولهم.
يبدو أن الحاجة لعلاقة الجيرة، انتفت بالنسبة إلى الكثيرين.
فوسائل الاتصال مع الأهل والأصدقاء أصبحت متاحة أكثر من ذي قبل، وبإمكانك مثلاً، أن تتواصل يومياً مع قريبك الذي يسكن في قارة بعيدة، أو تتواصل لحظياً مع صديقك الذي يعمل في مدينة تبعد عن مدينتك مئات الكيلومترات.
كما أن المستوى الاقتصادي للفرد، أثر في مستوى الجيرة فاختفت حاجات الجيران البسيطة التي كانوا يتبادلونها مع الجيران مثل الملح والسكر والقليل من البن أو الهيل أو ما شابه.. فلقد أصبحت محال البقالة تقوم بتوصيل ما تحتاجه ربة البيت، وأصبح من العيب طلب مثل هذه الأشياء من الجار.
جيران زمن التقنية..
في هذا الزمن، بدأ الجار يتراجع من صف الجوار، وبدأ مفهوم الجيرة يتنحى تاركاً المساحة لنوع جديد من العلاقات التي ظهرت في زمن التقنية، إذ تربعت على عرش الود.
فشبكات التواصل الاجتماعي بدءاً من الفيسبوك وتويتر والانستغرام، أغنت كثيراً من الناس عن العلاقات الدافئة الحقيقية، إذ وفرت لهم نوعاً من العلاقة الافتراضية المريحة نسبياً والتي تتناسب مع هذا الزمن ومتطلباته.
والتواصل مع الناس لم يعد حكراً على أن نكون وجهاً لوجه، بل إن البحث عمَّن يكفلون لنا الدهشة أو الفائدة من دون عبء يُذكر هو المطلب، لذا كان الجار الافتراضي في شبكات التواصل الاجتماعي هو البديل الأنسب للجار ,وإذا أعجبك هذا التابع الافتراضي، فربما أدخلته إلى حياتك الحقيقية ليس بوصفه جاراً فقط بل صديق تقنية.

آخر الأخبار
وزير المالية يعلن بدء صرف زيادة الرواتب نهاية تموز الجاري الشيباني يبحث مع سفير سلطنة عمان تعزيز العلاقات  فرق دعم جديدة.. وجهود مضنية للسيطرة على حرائق اللاذقية وزير النفط من حمص: بناء مصفاة جديدة ولجنة لإعادة الموظفين إلى عملهم غداً تسليم البطاقات الامتحانية لطلاب الثانوية العامة بالحسكة أوتستراد جسر الشغور- اللاذقية يحتاج إلى صيانة وتعبيد.. والمواصلات الطرقية توضح لـ"الثورة" الدفاع المدني الأردني: توجهنا إلى اللاذقية من واجب أخوي استنفار الدفاع المدني باللاذقية على مدار الساعة أسعار الخضار في مواجهة ارتفاع التكاليف وقلة الإنتاج حب أعمى وتقنيات رقمية.. خدعة قنبلة تُشعل درساً أمنياً إلغاء العمل بالبطاقة الذكية بطرطوس اليوم الحد من السلاح العشوائي لتعزيز الاستقرار في حلب وإدلب أزمة مياه مدينة الباب.. تحديات وتعاون مجتمعي د. رمضان لـ"الثورة": غياب العناية بالأسنان ينتهي بفقدانها تأمين الكهرباء إسعافياً للمناطق المتضررة في اللاذقية من الحرائق قريباً.. تأمين الكهرباء لريف حلب ضمن خطة شاملة لإعادة الإعمار تأهيل مدرسة عندان.. خطوة لإعادة الحياة التعليمية نحو احترافية تعيد الثقة للجمهور.. الإعلام السوري بين الواقع والتغيير خبير مصرفي لـ"الثورة": الاعتماد على مواردنا أفضل من الاستدانة بين المصالح والضغوط.. هل تحافظ الصين على حيادها في الحرب الروسية-الأوكرانية؟.