الثورة – آنا عزيز الخضر:
كوميديا الموقف من أميز الأساليب المسرحية، التي تجمع أدق المتناقضات، وأكثرها كشفاً للحقائق والصراعات، فعلى الرغم من أنها تستحضر الإضحاك، فإنها تضيء على أشد المواقف صلابة وأكثرها صرامة، فتبرز بين السطور مطلة برأسها من بين الضحكات، فتبلور أميز الرؤيا نضجا وسط الابتسامة، فهي تحارب أبشع السلوكيين خلال سخرية منها، وتمجد أجمل القيم مرتكزة على محاربة السلبيات بأسلوب خاص.
يتحقق ذلك عندما يكون هناك إتقان ومهارة وتقنيات فنية، ودرامية عالية المستوى، يحملها العمل المسرحي، وكل تلك الحالات برزت عبر العرض المسرحي “إخوة الجنون” تأليف وإخراج زيناتي قدسية.
استطاع العرض إبراز أهم المواقف المسؤولة تجاه الواقع والأزمات، وقدم أهم الرسائل من خلال الكوميديا، فحض الإنسان على المواجهة وعدم الهروب من المشكلات بأسلوب مسرحي، له سحره الخاص، وقد سخر العرض من هؤلاء المجانين، الذين يحسبون أنفسهم في منأى عن الخطر، عندما يعيشون في مساحة النأي بالنفس.. لأن جميع أبناء الوطن مستهدفون، عندما يصاب الوطن بمكروه، ومن يحسب نفسه خارج الدائرة، هو مجنون بحق، لأن الجميع في عين الخطر.
وإذا ما داهم المجتمع أي أذية، فإنها تنعكس على جميع أفراده، وعندما يكون الوطن مهدد، فهذا التهديد سيطالهم من دون استثناء، من هنا فإن خيار النأي بالنفس قمة الجنون، وقد تم تقديم هذه الأفكار بأسلوبٍ كوميدي سلس تمكن من إيصال رسائله بكل سلاسة، على الرغم مما حملته أحداث العرض من معالجات، تحرض على المواجهة وعدم الاستكانة والحيادية السلبية تجاه ما يحدث، حيث حمل العرض مقوﻻت في غاية الجدية والصرامة، وقد يكون استخدام أسلوب الكوميديا في هذه الظروف الصعبة عن قصد، للتخفيف ما أمكن من المعاناة التي أثقلت على الجميع مع تمسك العرض جنباً إلى جنب بالرسالة النوعية ومهمة المسرح الهادفة، وكانت الكوميديا ملاذاً جميلاً طرح من خلاله مقوﻻت ورسائل، وصلت للناس، وانتصرت الكوميديا يمعطياتها، وهذا ما تعمل عليه الكوميديا السوداء الراقية، وقد استثمره صناع العرض بطريقة مدهشة، حين تمت الموزانة بإتقان ودقة ومهارة بين مستويات العرض الدرامية والفنية.