الثورة – منال السماك:
قيل “إن إرضاء الناس غاية لا تدرك”، فنيل القبول الاجتماعي بشكل تام ربما يكون أمراً صعباً، ويتطلب القيام بالكثير من السلوكيات التي ترضي الآخرين نوعاً ما، وتزيد من محبتهم، وتمنح الفرصة للتقرب منهم، والدخول إلى دائرة اهتمامهم، ربما لتحقيق منافع شخصية ومادية، وقد يكون ذلك على حساب راحتنا الشخصية، ومخالفاً لقناعتنا ومتناقضاً مع منظومة قيمنا التي تسير عليها حياتنا بإيقاعاتها الاعتيادية كأسلوب حياة ننتهجه.
ليس على حساب راحتنا
البعض ممن التقتهم “الثورة” قد يجد أن إرضاء الآخرين آخر همه، يفعل ما يحلو له من دون التفكير في ردة الفعل لدى محيطه الاجتماعي، فالمجاملة أو المبالغة في إبداء اللطف ليس في قاموسه السلوكي للتعامل مع دائرته الشخصية، تقول فداء- طالبة جامعية: لم يعد يهمني إرضاء أحد، وغالباً ما أتعامل مع أصدقائي وأقاربي بطريقتي الخاصة التي تريحني نفسياً، ولا أفكر بمن يبقى أو يذهب، فألوح للقادم أهلاً وللراحل وداعاً، فليس لدي طاقة لتحمل المزاجية المتقلبة، ولا أسعى لإرضاء الآخرين على حساب راحتي.
نيل رضاهم وكسب مودتهم
بينما يرى عبد الرحمن- موظف- أنه يضطر للمسايرة وقول “نعم” على أي شيء من أجل استمرار الحياة من دون خسائر، كما أنه يجد نفسه مجبراً أحياناً على القيام بمهام إضافية عوضاً عن غيره، لنيل الرضا وكسب المودة ليكون محبوباً في مجال عمله من قبل رئيسه في العمل وزملائه.
إيثار وتضحية
قد يرى البعض أنه لا يستطيع التعامل بأنانية ويقدم سعادته وراحته على راحة الآخرين، ويرى لزاما عليه التضحية وإيثار الآخرين على نفسه، وهذا حال الكثير من الآباء والأمهات، تقول أم ليث: ينبغي على الأم القيام بالكثير من الواجبات المنزلية، على الرغم من أن أبنائي شباب وصبايا، إلا أنني أقوم بخدمتهم ليشعروا بالراحة والسعادة، وهذا يجعلني متعبة بشكل دائم، ولكنني أنسى تعبي عندما أشعر برضاهم وأرى سعادتهم.
خجل من الرفض
غالباً ما يقع الأشخاص الذين يسعون بكل طاقاتهم لإرضاء الناس في دائرتهم الاجتماعية للاستغلال لدرجة الإنهاك جسدياً ونفسياً، يقول أحمد قاضي- وهو عامل في مطعم: هناك أشخاص سلبيون انتهازيون، يستغلون حاجة البعض المادية لإنهاكهم بالعمل الذي يفوق طاقة الشخص، فأنا مثلاً أحاول بشتى الطرق لنيل رضا رب العمل كي لا يستغني عن خدماتي، وقد يستغل البعض خجلنا من رفض طلبه، فالبعض منا تلقى تربية نفسية وعاطفية لا تبيح رفض المساعدة وتقديم الخدمة ولو على حساب راحتنا الشخصية، ما ينشئ جيلاً راضخاً مطيعاً خشية إيقاع الضرر بهم حسب قناعاتهم.
إذاً ما الحل وما طريقة علاج هذه الحالة التي قد تؤدي إلى ضرر نفسي وتشويه لصورتنا الشخصية، وأحياناً قد تهدر كرامتنا في سبيل أن نكون محبوبين وموضع مديح وثناء؟
الإحباط والاكتئاب
إن البعض ورغبته منه في أن يكون محبوباً قد يفعل أي شيء في محاولة منه لإرضاء الناس، ما يجعله رهينة متلازمة إرضاء الآخرين.. هذا ما أشارت إليه المرشدة النفسية سمر علوان، وتابعت بالقول: ولكن عندما يجعل البعض من نفسه حاميا لمصالح الآخرين ومسؤولاً عن تحسين حالتهم النفسية، وتلبية احتياجاتهم المختلفة من دون أن يلتفت،- إن كان هذا الاهتمام متبادلاً أم لا؟ ما يؤدي إلى الشعور بالإحباط وأحيانا الإصابة بالاكتئاب.
وتشير علوان إلى أن محاولة الفرد لتقديم المزيد من التنازلات لمن حوله، سواء في دائرته العائلية أم الاجتماعية والعملية، ليس من الضروري أن يكون مفيداً، بل ربما يكون مضراً أكثر مما يظن، فقد أثبتت الدراسات الحديثة في علم النفس الاجتماعي فيما يخص متلازمة إرضاء الآخرين، أن تحامل الفرد على نفسه مرات متتالية من دون حصوله على تقدير الآخرين من حوله، يجعله عرضة للإصابة بالإحباط بنسبة تجاوزت الـ60 بالمئة، كما أثبتت الدراسات أن النسبة تجاوزت 30 بالمئة ممن يؤثرون الآخرين على أنفسهم هم عرضة للاكتئاب بسبب عدم تلقي التقدير الواجب والثناء.
ترتيب الأولويات
وتنصح علوان من يعانون من عدم تقدير الآخرين لتضحياتهم وتنازلاتهم، بعدم تحميل النفس أكثر من طاقتها، وجعل ترتيب الأولويات عنوانهم للحياة حتى في مساعدة الناس، والحذر من استغلال الآخرين، فالمساعدة تقدم لمن يستحقها خشية الاستغلال، وتدني تقدير الذات وإهدار الكرامة، في محاولات عبثية لنيل الرضا من دون مقابل.