رأى الفيلسوف الروسي ألكسندر دوجين في محاضرة ألقاها في جامعة سان بطرسبورغ بروسيا أن “إسرائيل” منيت بهزيمة مدوية يوم السابع من تشرين الأول، وهي ستمنى بهزيمة أقسى في تاريخها بعد انتهاء العمليات البرية. وحتى وإن انتصرت إسرائيل عسكرياً (لا سمح الله) فستمنى بهزيمة سياسية، وإذا انتصرت عليها المقاومة عسكرياً فستكون بداية حقيقية لدولة عمرها تجاوز الـ75 عاماً، ويبدو أنها لن تصل عتبة الثمانين عاماً، كما يتحدث زعماء الصهاينة أنفسهم.
وهو في هذه الرؤية الاستشرافية المستندة إلى مقدمات ووقائع ثابتة يتقاطع مع مخاوف الكثير من كبار الساسة والمسؤولين الصهاينة إضافة إلى ترهات وروايات رجال الدين وحملة التلمود، وبالمقابل فإن خبراء علم الاجتماع وعلماء النفس يرون دمار مجتمع المستوطنين حقيقة مؤكدة تبعاً لتطور العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الصهيوني، وتراجع التأييد للمشروع الصهيوني والتشكيك في قدرته على الوفاء بالوعود التي قطعها للمهاجرين اليهود بالحياة الآمنة والعيش الرغيد، وذلك يأتي في ظل انكشاف الكثير من الأكاذيب المؤسسة للحركة الصهيونية، وحتى انكشاف أكذوبة الارتباط الديني مع الدعوة السياسية الخالصة، تلك الدعوة التي جاءت تنفيذاً لخطة استعمارية استخدمت فقراء اليهود كوقود لخطتها العدوانية في السيطرة على مقدرات المنطقة العربية وبلاد المسلمين باعتبارهم كانوا سيتحكمون بثرواتهم في حال امتلكوا أسباب قوتهم وتقدمهم.
نهاية المشروع الاستعماري الصهيوني رؤية استشرافية يستمر نقاشها في داخل دوائر الكيان الصهيوني، وفي مؤتمر هرتسيليا السنوي في محاولات لتجاوز استحقاق نهاية هذا المشروع، وبالتالي نهاية الدولة المسخ والكيان المؤقت الذي مثل منبع الشر والخلاف خلال القرن الماضي والعقود الثلاثة الماضية من القرن الحالي.
وأمام هذه الصورة الاستشرافية فإن الكثير من العلاقات الدولية سوف يتغير وينقلب رأساً على عقب ، وخاصة العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية التي ستجد نفسها تسلك أسوأ المسالك في تخليها عن حلفائها وأصدقائها بعد انهيار جوهر مشروعها الصهيوني وتلاشي كل الأوهام التي تم دعمها بآلة عدوانية ضخمة، لكنها لم تستطع كسر إرادة المقاومة في فلسطين وغرة والمنطقة العربية، وفق ما تنبىء به معطيات الحرب العدوانية الصهيونية على غزة، حيث صراع الوجود بين إرادة الحق المقاومة وإرادة الشر والعدوان العاجزة عن الاعتراف بعدم القدرة على تحقيق انتصار على كتائب المقاومة في غزة، الأمر الذي يدفعها لزيادة التوحش وارتكاب عشرات المجازر اليومية دون أن يضعف ذلك من قدرة المقاومة وإمكانيات المواجهة عندها.
وتزيد واشنطن دعمها الوحشي لحكومة نتنياهو خوفاً من التداعيات السياسية على المستوى الإقليمي التي ستلي نهاية هذه الحرب، فالولايات المتحدة ستترك حلفاءها يواجهون مصيراً مروعاً شبيهاً بما حدث في فيتنام وأفغانستان، الأمر الذي ينذر بهزات سياسية واجتماعية محتملة ستحتاج سنوات طويلة للخروج منها وإعادة رسم خرائط سياسية للمجتمع الدولي بعيداً عن مواجهات دولية كبيرة.
إنها الصورة الصعبة بين رؤى العلمانيين والمتدينين في جانب، وبين أكاذيب الساسة والمنظرين وراسمي حدود المشاريع العدوانية الكبيرة لتكون النتيجة حتمية انتهاء ذلك المشروع ونهاية كيانه المؤقت.
◦