الملحق الثقافي- حسين صقر:
كان ولم يزل الدورالكبيرالذي لعبته و ستلعبه الآلات في حياة البشرية شغل الناس الشاغل منذ عدة قرون، ولعل ما أورده الكاتب الروائي والرسام البريطاني «صموئيل بتلر» في روايته «إريوهون» 1872 صورة مصغرة عما وصل إليه الحال، ويعكس حالة الذكاء الاصطناعي الذي حوّل العالم برمته إلى أرقام وبيانات، وساهم في تطوروازدهار البشرية واختصرالوقت والمسافات وحتى إنه ساهم في تخفيف القلق والتوترالنفسي الذي يرافق الإنسان.
وفي حديث لأحد الأشخاص العاديين وهومن الذين ودعوا فلذات أكبادهم إلى بلاد الاغتراب، يقول منذ صعوده الطائرة في المطار عائداً إلى أرض الوطن، تابعت حركة الطائرة التي يستقلها في الجو حتى وصوله، ولم يكن هناك أسهل من معرفتي بوصول الطائرة وهبوطها في المطار الذي سيصل إليه، وهو إن دلّ على شيء إنما يدلّ على الذكاء الاصطناعي الذي وصلت إليه البشرية.
إذاً فبرنامج الذكاء الاصطناعي يهدف لحماية كوكب الأرض، وتسهيل الحركة والتواصل والمتابعة والترقب والحصول على المعلومة والرقم والإحصائية، من خلال علم البيانات.
و الإنسان على مرالتاريخ استطاع أن يحاكي العقل في نمط تفكيره، حيث حاول كلّ من الفنانين والكتّاب وصناع الأفلام ومطوري الألعاب على حدّ سواء إيجاد تفسير منطقي لمفهوم الذكاء الاصطناعي، لأن الأخير لم يكن حاضراً في الخيال العلمي وحسب، بل تحول بتطبيقاته إلى حقيقة نعيشها كلّ يوم، وهو يسلط الضوء على الفوائد المحتملة على البشرية، والجوانب السلبية المتوقعة، لكن مع كلّ أسف تمّ تصويره في غالب الأحيان على أنه العدوالشرس الذي يعتزم اغتصاب الحضارة والسيطرة عليها، وذلك نتيجة الفهم والتقديرالخاطئين لأهدافه.
لكن في العقدين الأخيرين، أصبح الذكاء الإصطناعي حقيقة لا خيال، ولم يعد يحتل مكاناً في عالم الثقافة الشعبية فقط، بل حصل على نقلة نوعية كبرى، و نمت تقنيته بشكل كبيرعلى أرض الواقع حتى أصبحت أداة رئيسية تدخل في صلب جميع القطاعات.
وهكذا أول بأول خرج الذكاء الاصطناعي من مختبرات البحوث، ومن صفحات روايات الخيال العلمي، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ابتداءً من مساعدتنا في التنقل في المدن وتجنب زحمة المرور، وصولاً إلى استخدام مساعدين افتراضيين لمساعدتنا في أداء المهام المختلفة، واليوم أصبح استخدامنا له متأصلاً من أجل النهوض والازدهار وفي تفاصيل حياتنا اليومية، وجمع الهاتف النقال الذي يمثل أبهى صوره مثلاً الذي نحمله في جيوبنا يختصرهذا المصطلح، أي كبديل لغرفة كبيرة ملأى بشتى أنواع الأجهزة التي كنا نستخدمها، كالكاميرا والراديو والرائي والحاسب والبوصلة والهاتف الأرضي ويمكن أن يحتوي أرشيف معلومات يحتاج لمبنى كاملاً، وهكذا أيضاً تمّ استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل الخير وإسعاد البشرية.
وفي مقال نُشر مؤخراً أبرز براد سميث الرئيس والمدير القانوني في شركة مايكروسوفت، أن العالم كان و لايزال يعاني من أزمات إنسانية مستمرة ناجمة عن الكوارث الطبيعية والكوارث التي يتسبب بها الإنسان ، وبينما تسعى تلك المنظمات الإغاثية للتعامل مع هذه الكوارث والأحداث، لا يزال عملها في كثير من الأحيان لا يعدو أن يكون ردّة فعل، ومن الصعب توسيع نطاقه، لكن وفقاً للذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، بالإضافة إلى الخبرة المتمثلة في العلوم البيئية والمساعدات الإنسانية، ستساعد على إنقاذ المزيد من الأرواح وتخفيف المعاناة وذلك عن طريق تحسين الطرق التي تتنبأ بحدوث وتعزيز وسائل للتعامل مع الكوارث قبل أو بعد وقوعها .
ولهذا أطلقت الشركة برنامج «الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض، والذي يهدف الى حماية كوكبنا من خلال استخدام علم البيانات، وتبلغ مدة البرنامج خمس سنوات و تكلفته 50 مليون دولار ، حيث يقوم البرنامج بنشر خبرة مايكروسوفت التي تصل إلى 35 عاماً في مجال البحث والتكنولوجيا في تقنيات الذكاء الاصطناعى في القطاعات الأربعة الرئيسية : الزراعة والمياه والتنوع البيولوجي وتغيرالمناخ.
ورويداً رويداً يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغير قواعد اللعبة في مواجهة التحديات المجتمعية الملحّة وخلق مستقبل أفضل.
العدد 1179 – 27 -2 -2024