هكذا اعتاد أصدقاؤها وزملاؤها، وحتى طلابها، الحديث عنها. مكتفين باسمها الأول، ربما لندرته كما ندرتها. والأرجح لقربها من قلوبهم وهو ما جعل خبر رحيلها صادماً وجارحاً، بقدر ما كان مفاجئاً بحكم المظهر الذي بدت عليه حتى وقت قريب من رحيلها.
واجهت لجينة المرض القاسي بشجاعة تصلح أن تكون مثلاً، لم يحتج أحد أن يواسيها أو يخفف عنها، فهي لم تفرط بروحها الودودة المحبة للحياة والناس والعمل. حتى حين تساقط شعرها كانت تقول إنها معجبة بشكلها الجديد. الذي لولا المرض ما صارت إليه.
مثل معظم الأطفال أحبت لجينة الأصيل الحكايات والرسوم قبل أن تتعلم فك الحرف، ومثل أطفال كثيرين أيضاً بدأت الرسم في سن مبكرة مدعومة بحب أمها للفن، وتشجيع أبيها لخطواتها في كل مراحلها. غير أن شغفها بالكلمة والرسوم لم يكن بقدر شغف جميع أقرانها وقد دفعها لابتكار مجلتها الخاصة من الغلاف إلى الغلاف. ولازمها حتى المرحلة الإعدادية حين بدأ الفن يتفوق واهتمامها به يكبر، ليكون عنوان السنوات القادمة من حياتها وإبداعها، التي بدأتها بالانتساب إلى كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.
كانت دراستها لاختصاص العمارة الداخلية في كلية الفنون الجميلة بدمشق تنسجم مع ميولها، وطموحها للعمل في مجال الديكور المسرحي الذي يجمع بين الفن والأدب معاً. وفي عام 1969، عام تخرجها من الكلية تأسست مجلة (أسامة) وكانت مكاتبها تشغل نفس مبنى مديرية المسارح الذي كانت تتردد إليه خلال عملها على ديكور إحدى المسرحيات، ومن باب الفضول طلبت أن ترسم في المجلة، وكانت فرحتها لا توصف حين رأت رسومها لأول مرة على صفحات مجلة حقيقية، دون أن تعلم أن هذه الرسوم ستكون نقطة تحول في مستقبلها، فعن طريقها عرفها الأطفال ليس في سورية وحسب وإنما في كل البلاد العربية، وبدأت رسومها تنتشر عبر دور النشر العربية محققة نجاحاً لا مثيل له.
منذ ذلك اليوم ينظر إلى لجينة الأصيل بالدرجة الأولى على أنها رسامة أطفال، رغم تجربتها الطويلة في الديكور والإعلان وتجربتها الهامة في التصوير الزيتي، وهي مشاركة دائمة في المعارض الدولية لرسوم كتب الأطفال، وفي ورش عمل رسامي منشورات الأطفال، ولجان تحكيم مسابقاتها. وقبل سنوات قليلة أتيحت لي الفرصة للاطلاع على طريقة عملها في تحكيم المسابقات حين جمعتني معها ومع الدكتور عبد الكريم فرج -رحمهما الله- لجنة تحكيم رسوم مطبوعات الأطفال التي نظمتها الهيئة العامة السورية للكتاب. فقد لفت أنظارنا الدكتور عبد الكريم وأنا، حرصها على ألا تبدي رأيها في الأعمال المشاركة قبلنا، رغم طلبنا له بحكم أن هذا اختصاصها. وأدركنا السبب حين كشفنا أسماء المشاركين الفائزين، وكان الأولان منهما من طلابها. ترى هل كان حرصها على تأخير رأيها بعد رأينا هو فقط نتيجة لنزاهتها، أم أيضاً لثقتها بما نقلته من خبرة إلى طلابها؟ ..بلا شك أنهما سوية.
كان أكثر ما يفرح لجينة في مشاركاتها الدولية رؤية علم سورية يرفرف في المعارض والملتقيات، واسمها موجود فيه باعتزاز. وقد نالت جوائز كثيرة في مصر ولبنان وفرنسا واليابان، وكُرّمت في سورية وكانت ضيفة شرف في معرض (بولونيا) في ايطاليا الذي يعدّ أهم معرض لرسامي كتب الأطفال في العالم، وأحدث جوائزها نالتها قبل سنوات قليلة، وكانت جائزة (محمود كحيل) لإنجازات العمر من الجامعة الأميركية في بيروت. ولكن جائزتها الكبرى – كما كانت تكرر – عندما يقول لها أمهات وآباء:
لقد تربينا وربينا أطفالنا على رسومك..