الثورة – عمار النعمة:
من منا لم يتابع ويقرأ مسيرة الدكتور سهيل زكار المملوءة بالعطاء والفكر الحقيقي النابع من العلم والمعرفة والخبرة والبحث التاريخي الممتدة لعشرات من السنين.
عندما التقيناه قبل أكثر من ١٢ عاماً أخذنا إلى الأعماق، استغرق في التفاصيل، وعالج الكثير من القضايا من خلال سرد الأحداث لدرجة أننا شعرنا أمام موسوعة علمية حقيقية.
تمر هذه الأيام ذكرى وفاة الدكتور زكار الذي ولد في مدينة حماة عام 1936، حيث جعله ولعه بالعلم والمعرفة يتخطى وضع أسرته المادي الصعب، فحصل على الإجازة الجامعية في قسم التاريخ بجامعة دمشق ثم عين معيداً سنة 1964، وسافر إلى بريطانيا لينال شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة لندن سنة 1969، ثم عاد للوطن ليزاول التدريس والبحث التاريخي والتأليف والترجمة والتحقيق.
اتبع المنهج العلمي فيما وضعه من كتب ناهز عدد صفحاتها الـ 150 ألفاً موغلاً بتاريخ العرب والمسلمين على حد سواء، وساعياً لإعادة إحياء اتحاد المؤرخين العرب والإضاءة على تاريخنا المجيد.
وكان زكار في أغلب أعماله في تاريخ العرب والإسلام جامعاً بين التحقيق والترجمة والتأليف وأثرى المكتبة العربية بأكثر من 350 مجلداً بالتعاون مع طلبته وأخرج كتابه الأشهر “الموسوعة الشامية في الحروب الصليبية” في 50 مجلداً ودقق تاريخياً عدداً من الأعمال الدرامية منها البحث عن صلاح الدين للمخرج نجدة أنزور ومسلسل هارون الرشيد.
أواخر عام 1964م سافر إلى لندن، وصلها وهو لا يعرف اللّغة الإنكليزيّة كانت معلوماته متدنّية في الإنكليزيّـة، ولم يكن يعرف أحداً هناك على الإطلاق، ومرّت أيّـام صعبة عليه، وأخيراً وجد غرفة عند الجيران وبالوقت نفسه انتسب إلى مدرسة «ديفيز سكول» ليتعلّم الإنكليزيّـة، وذهب إلى الجامعة والتقى رئيسَ قسمِ التّـاريخ المستشرق برنارد لويس، قال له: عليكَ أن تتعلّـمَ الإنكليزيّـة، وعاد من الجامعة من أجل اللّغة الإنكليزيّـة، ثمّ بدأت رحلة العمل الدّؤوب، أصبح يداوم صباحاً في المدرسة الخاصّـة وفي المساء يذهب إلى مدرسة تابعة للبلديّـة، وخلال شهر أصبح يقرأ ويتكلّـم بالإنكليزيّـة، وكان قد قـرّر أن يحفظ «معجم إنكليزي-إنكليزي» واستفاد من ذلك كثيراً، كما اِستفاد من قراءة ترجمة القرآن الكريم إلى اللّغة الإنكليزيّـة، بعد هذا الشّـهر ذهب إلى الجامعة والتقى ثانيةً «لويس» الذي اِندهش لذلك وطلب منه أن يخطو الخطوة الثّـانية.
طلب منه «لويس» أن يعمل على معادلة شهادته وكانوا عدداً من الطّلبة تحت إشرافِ موجـّه بريطاني، وقد خضعوا للتدريبات واصطدم بهذا الموجـّه مراراً لأنـّه كان يُـقدّم لهم معلومات غير صحيحة فشكاه إلى رئيس القسم فاستدعاه وسأله لماذا حصل هذا؟ فقال له بهدوء: يحاول أن يعلّمنا خطأ وأوضح له بعض الأمور وسأله: ما هو عملك؟ فقال له: معيد موفد، وسأله هل لك كُـتب؟ فقال له: أكتب بعض الدّراسات وقد حقّقتُ كتابَي خليفة بن خياط. فردّ مندهشاً: وهل تمّ العثور عليهما؟!! فأجاب: واحدٌ في دمشق والآخر في المغرب، ولديّ بعض الملازم ممّـا طُبع وسأعرضها عليك.
أتى بها في اليوم التّالي، وطلب منه أن يكتبَ مقالاً عن خليفة بن خيّاط للموسوعة الإسلاميّـة وخلال ثلاثة أيّـام كتب المقال، وبعد ذلك طلب منه أن يراه بعد المحاضرات وقال “أنت لديك إعفاء، سأله: ممَ؟ فأجاب: أنت لا تحتاج إلى فحص المعادلة وهذا قرار مجلس الجامعة، بعد ذلك عرض عليه «لويس» البقاء والتعاقد معه فاعتذر عن ذلك لأنّـه آتٍ للدراسة من أجل وطنه، ومنذ ذلك الحين يعمل وهو في التدريس.
كان موضوع الماجستير حول إمارة حلب في القرن الحادي عشر للميلاد أي الموافق للقرن الخامس الهجري، وأثناء المتابعة للدراسة بدأ رحلة قادته إلى تركيّا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا للحصولِ على المخطوطات ثمّ تابع الدكتوراه ـ درّس في لبنان والمغرب لمدة 3 سنوات ثم عاد لبلده سورية واستقر فيها مدرساً ومؤلفاً ومحاضراً وباحثاً.
يرى الدكتور سهيل أن من يعمل في تاريخ العرب والإسلام عليه أن يُتقن ثلاثة فنونٍ أساسيّـة هي: التّـحقيق- التّـرجمة- التّـأليف.. التحقيق لتاريخِ العربِ والإسلام ليتخرّج بشكلٍ علمي من مدارس المؤرّخين العرب وخاصة: ابن إسحاق، ابن الجوزي، الزهري، خليفة بن خيّاط، البلاذري، ابن حبيش وآخرهم ابن كثير.
كما يؤكد أن التّرجمة أساسيّـة في عمل المؤرّخ، ولابدّ من الاِطّـلاع على مصادر بغير العربيّـة، إذ منذ قيامِ الإسلام صار هناك بغير العربيّـة مصادر مفيدة جداً كُـتبت بالسريانية والأرمنية والإغريقية وفي حقب أخرى تزداد أهمّـيّـة المصادر غير العربيّـة.
وهذا بنظره بديهي لأنّ ما من حدث في التاريخ لم تقتصر فعالياته على رقعةٍ محدودة من الأرض، بل امتدت إلى العالم أجمع.
في عام 1991م وافق على مشروع ضخم وهو إخراج كتاب كبير في تاريخ الحروب الصليبية سماه «الموسوعة الشامية في الحروب الصليبية». ومنذ ذلك الحين ظل يعمل على هذه الموسوعة بالتعاون مع طلابه. وعلى هذا الأساس كان مستشاراً في إنتاج مسلسل البحث عن صلاح الدين بالتعاون مع محمود عبد الكريم ونجدة أنزور.
من أعماله
تأليف: الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية (50 مجلدا)
مدخل إلى تاريخ الحرب الصليبية
ماني والمانوية
مختارات من كتابات المؤرخين العرب
إمارة حلب في القرن الحادي عشر الميلادي
الانحياز، ترجمة
تاريخ العرب والإسلام
تاريخ يهود الخزر
الحشيشية: الاغتيال الطقوسي عند الإسماعيلية النزارية
طبقات خليفة بن خياط
تحقيق
أنساب الأشراف، للبلاذري.
أخبار القرامطة، تحقيق
الاعلام والتبيين في طروح الفرنج الملاعين، تحقيق
بغية الطلب في تاريخ حلب، لابن العديم.
وفاته
توفي سهيل زكار عن عمر 84 تاركاً وراءه إرثاً كبيراً وكتباً وأبحاثاً أثرت المكاتب بقيمتها وأهميتها.