لي ذاكرة ُ الهواء وبقايا من شعر المجنون

الملحق الثقافي- فرات إسبر:
قبل أن أشيخَ وأمضي في العمر، كان لي ذاكرة الهواء التي تحمل العطر، وذاكرة الخيول وخفتها في القفز والركض وقراءة الأشعار.
مضى زمن ٌ طويل على تلك الذاكرة، ومرتْ عليها أعمارٌ وأوهام أثقلتها حتى باتت تنسى أحب القصائد إليها وحتى أقرب الشعر إليها، وما تكتبُ من قصائد كانت ُتردّدها، كما تُردّد الجبالُ الصدى والمرايا الصور والحبُّ القُبل.
كنتُ أقرأ وأحفظ أشعارَ جميل بثينة وأردّدها في طريق ذهابي ورجوعي من المدرسة، إلى البيت.
كنت أصعدُ درجات البيت، قفزاً وأردُّد شعراً لجميل بثينة:
يَموتُ الهَوى مِنّي إِذا ما لَقيتُها ويحيا إذا ما فارقتها فيعود
يَقولونَ جاهِد يا جَميلُ بِغَزوَةٍ وَأَيَّ جِهادٍ غَيرُهُنَّ أُريدُ
مرت الأيام والسنوات، والأطلال اِزدادت بُعداً والذاكرة اِمتلأ خزانها ولم يبق فيها من أغاني البحر الطويل إلا هذا البيت البديع لجميل بثينة:
فَلا أَنا مَردودٌ بِما جِئتُ طالِباً ولا حبها فيما يبَيد ُ يبيدُ
ماتت بثينة ومات جميل بن معمر، وذاكرتي لم تعدْ تستذكرُ الأشعار.
حكاية أخرى وعلاقة أخرى مع قيس بن الملوح، شاعر العصا والرّمل والبراري الذي هام جنونا وشعراً بليلى والأرض لم تتسع لجنونه وكنت أُردّدُ له:
هوى صاحبي ريح الشّمال إذا جرت
وأهوى لنفسي أن تهبّ جنوب.
الذاكرة أصبحت في عجزها تحاول التذكّر، ولكن التذكّر صعبٌ في زمن النسيان والخيبات وإذ ننسى ما حفظنا من أشعار فإن هذا لا يجعلنا ننسى مذاقات اللغة ومعناها التي تزيد العقل ترفاً لغوياً ومعرفة، وتذوق الشعر في بحوره الطويلة أو حداثته الزاهية، ويبقى المجنون قيس بن الملوح، شاعر الشعراء ولا أعتقد أبداً أن هذا البيت يموت وإنما هو حي ُّ على مرّ الدهور ويردده ُ كل شاعر وقف على الأطلال أو شاعر يستخدم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي:
سأبكي على ما فات منّي صبابة
وأندب أيام السّرور الذّواهب.
ومن الأطلال والرمال والجِمال والعشب والخيول نأتي إلى الزمن الجميل، إلى زمن نزار قباني ونجاة الصغيرة وفيروز، وبدوي الجبل والأغاني تصدح بأجمل أشعارهم البديعة الملحنة، ولكأن العصر بما فيه من إبداعات موسيقية وشعرية تعزينا قليلاً في الحفاظ على الذاكرة المتعبة، ولايمكن أن تُنسى أشعار سعيد عقل التي غنتها فيروز وبذلك تولد القصيدة مرتين، مرةً من فم أبيها الشاعر ومرةً من فم محبوبتها أو محبوبها المبدع القارئء المحب أو المغني الرائع كما، عبد الحليم حافظ الذي يجعلنا نستذكر دائماً قصائد نزار قباني وجعل لها جمهورها الخاص.
ومن منا لا يتذكر عبد الحليم ونزارفي قارئة الفنجان:
جسلت والخوف بعيينها تتأمل فنجاني المقلوب ..
وها أنا بذاكرتي الشعرية القديمة والحديثة التي لم يبق منها إلا الأطلال وفناجين القهوة في دمشق نزار قباني وأغاني فيروز عن الشام بأروع أشعار سعيد عقل،علينا أن لا ننسى مهما مرّ الزمان، سعيد عقل وفيروزفي هذا الشعر البديع:
قـــد غِبتُ عَنهمْ ومــــا لي بالغيابِ يَـدٌ أنا الجَنَاحُ الذي يَلهـو به السَّـفَرُ
يـــا طيِّبَ القَلـبِ، يا قَلبي تُحَـمِّلُني هَمَّ الأحِبَّةِ إنْ غَابوا وإنْ حَـــضِروا. 
                           

العدد 1180 – 5 -3 -2024      

آخر الأخبار
مخبز بلدة السهوة.. أعطاله متكررة والخبز السياحي يرهق الأهالي عودة الحركة السياحية إلى بصرى الشام خبير اقتصادي لـ"الثورة": "الذهنية العائلية" و"عدم التكافؤ" تواجه الشركات المساهمة اشتباكات حدودية وتهديدات متبادلة بين الهند وباكستان الرئيس الشرع يلتقي وزير الزراعة الشيباني أمام مجلس الأمن: رفع العقوبات يسهم بتحويل سوريا إلى شريك قوي في السلام والازدهار والاقتصاد ... "الصحة العالمية" تدعم القطاع الصحي في طرطوس طرطوس.. نشاط فني توعوي لمركز الميناء الصحي  صناعتنا المهاجرة خسارة كبيرة.. هل تعود الأدمغة والخبرات؟ ترجيحات بزيادة الإمدادات.. وأسعار النفط العالمية تتجه لتسجيل خسارة تركيا: الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشترك مع سوريا "موزاييك الصحي المجتمعي" يقدم خدماته في جبلة تأهيل طريق جاسم - دير العدس "بسمة وطن" يدعم أطفال جلين المصابين بالسرطان اللاذقية: اجتماع لمواجهة قطع الأشجار الحراجية بجبل التركمان درعا.. ضبط 10 مخابز مخالفة تربية طرطوس تبحث التعليمات الخاصة بامتحانات دورة ٢٠٢٥ مُنتَج طبي اقتصادي يبحث عن اعتراف سوريا أمام استثمارات واعدة.. هل تتاح الفرص الحقيقية للمستثمرين؟ دعم أوروبي لخطة ترامب للسلام بين روسيا وأوكرانيا