فؤاد الوادي:
في اللحظات الأكثر قتامة، حيث الاستشراس الأمريكي والغربي في أعلى درجاته لحرف البوصلة وتشويه الصورة الحقيقية، يظهر السيد الرئيس بشار الأسد ليصحح الصورة ويزيل الغبش عن العيون بأنامل طبيب العيون الذي يعرف جيداً متى يكون التدخل ضرورياً لتصحيح الرؤية وتصويب البوصلة.
الرئيس الأسد وفي مقابلة مع الصحفي فلاديمير سولوفيوف أعاد نسج خطوط المعركة والمواجهة، ورسم بطريقة مذهلة الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، بين المحتل أرضه والمدافع عنها، الحدود التي لطالما جهد الغرب لطمسها ومحوها بقصد الهروب والتهرب من أدنى درجات المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والتاريخية التي تتوجب توصيف الواقع بامتداداته ومتغيراته التاريخية والجيوسياسية، من أجل كبح جماح وجنون الوحش الإسرائيلي، ولجم كل الداعمين والمحرضين له، وبالتالي نزع الذريعة من كل الذين يتلطون خلف أصابعهم لحجب شمس الحقيقة وتبرير القتل للقاتل، وتحميل المقتول المُحتلة أرضه والسليبة حقوقه مسؤولية دفاعه عن حياته وأرضه وعرضه وكرامته ومقدساته.
الرئيس الأسد، وفي معرض إجابته على سؤال حول الحرب الإسرائيلية على غزة، وإذا كان من الممكن تبرير ما يحصل الآن في قطاع غزة بأنه نتيجة لما حدث في السابع من تشرين الأول، قام مجدداً بتثبيت الحدود والخطوط الأخلاقية والإنسانية الفاصلة بين المحتل للأرض الذي يقتل ويدمر ويفتك، وبين صاحب الأرض الذي يدافع عنها بدمه وروحه وولده، حيث أوضح سيادته أن الفلسطيني ليس دولة تعتدي على دولة من الناحية القانونية، وليس شعباً آخر يأتي ليحتل دولة أو أراضي شعب آخر في دولة مجاورة، هو صاحب هذه الأرض، وهو الذي احتُلت أرضه، وهو الذي يُقتل منذ نحو ثمانين عاماً تقريباً، فلا نستطيع أن نتحدث عن الوضع اليوم من دون أن نتحدث عن المشكلة عموماً، لا نستطيع أن نتحدث عن غزة وحدها، فهي جزء من الموضوع الفلسطيني، والموضوع الفلسطيني هو موضوع واحد، “إسرائيل” محتلة، “إسرائيل” معتدية، تقتل الفلسطينيين لأنهم يدافعون عن أنفسهم، فلا يوجد أدنى مبرر لا سابقاً ولا حالياً لاستخدام “إسرائيل” القوة ضد الفلسطينيين، بخلاف الواقع الفلسطيني الذي يدافع عن نفسه، فهو يستطيع أن يستخدم القوة لكي يحمي أرواح أبنائه، بالرغم من أنه ليس دولة، هم مجموعات من المدنيين لديهم سلاح كمقاومة، ولكن لا يوجد لديهم لا دولة ولا جيش، فلا يمكن المقارنة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في هذه الحالة.
كما أن الرئيس الأسد أكد أن لا يمكن فصل الحاضر عن الماضي لأن الصورة سوف تبقى ناقصة، خاصة في الموضوع الفلسطيني الذي لا تزال إرهاصات وتداعيات احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية قائمة وممتدة حتى اليوم، وبالتالي فإن ما حصل في 7 تشرين الأول، هو نتيجة لهذا الاحتلال.
الرئيس الأسد وبجرأته وشجاعته المعهودة وصف الواقع العربي بكل موضوعية، وقال إنه سيئ وغير متماسك، لأن كل دولة عربية تعمل وحدها، هذا بالإضافة إلى الدور الغربي الموجود وبقوة في قرارات الدول العربية والتي من شأنها أن تكون لصالح “إسرائيل”، وهذه الحقيقة دفعت الفلسطينيين لأن يدافعوا عن أنفسهم بأيديهم.
وتحدث عن أهمية الوعي الوطني في مواجهة الكذب الغربي الذي يهدف إلى تزوير الحقائق والوقائع، وهذا يكون من خلال نشر الحقيقة بالدرجة الأولى، واعتماد الشفافية في طرح المواضيع والقضايا، ومشاركة الشعوب في حل المشاكل التي تواجه أي وطن، لأن هذا يجعل الحالة الوطنية قوية، بالإضافة إلى معرفة التاريخ، وتعلُّم دروس التاريخ، حتى تتمكن الأجيال الحالية والقادمة من ربط الاستهداف الدائم للغرب لكل الدول التي لها تاريخ عريق مثل سورية وروسيا.
كما تناول السيد الرئيس بشار الأسد موضوع الليبرالية الحديثة التي يسعى الغرب من خلالها إلى تفكيك المجتمعات المتماسكة من خلال ضرب القيم والمبادئ والأخلاق، لذلك من المهم جداً التوعية بمخاطرها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من خلال الوعي الوطني ونشر ثقافة الحوار لمواجهة جميع الثقافات الغربية المسمومة، لأن الحقيقة أقوى من الكذب لأنها دائمة ومستمرة أما الكذب فهو قصير المدى ومؤقت.
كذلك التبعية الأوروبية المفرطة للولايات المتحدة، أخذت حيزاً من مقابلة الرئيس الأسد، انطلاقاً من أن الأخيرة لا تنظر لأوروبا كشريك بل كتابع لها، وترى رؤساء أوروبا مديرين تنفيذيين في شركة، وبالتالي تابعين للولايات المتحدة وليسوا أصحاب قرار، لأن الملفات كلها بيد الإدارة الأميركية التي لها مصلحة بالحروب ولا تفهم سوى لغة المصالح والمال ولا تؤمن بأي مبادئ سياسية، على عكس سورية وروسية اللتين حاولتا بناء علاقة مع الغرب الذي لم يقبل بهما كشريك لأنه اعتاد التبعية والربح والمصلحة.
مقابلة السيد الرئيس بشار الأسد تناولت عدة أمور ومواضيع هامة، يجب التوقف عندها ملياً، لما تحمله من إجابات على كثير من التساؤلات والقضايا التي تغدو غامضة ومبهمة عند البعض، لاسيما في زمن الحروب والاستهداف والعقوبات والحصار التي تتكثف فيها أسلحة المفاهيم والمصطلحات من أجل حرف الأنظار وتزوير الحقائق وتشويه الواقع.
إلا أن أهم ما جاء في مقابلة الرئيس الأسد هو حديثه حول ضرورة وأهمية التمسك بالثوابت والمبادئ والمصالح الوطنية حتى لو كان الثمن كبيراً وحتى لو كانت الخسارة مؤلمة على المدى القريب، لأن الأهم يبقى هو أن تربح الوحدة الوطنية وأن تعيش عزيزاً كريماً وحراً، ولاحقاً لا بد أن تتغير الأحوال وتربح كل شيء تطمح إليه في وطنك.