د. ذوالفقار علي عبود:
حظي اللقاء الذي أجراه الإعلام الروسي مع السيد الرئيس بشار الأسد حول القضايا العالمية المعاصرة، اهتمام وسائل الإعلام العالمية لما حمله اللقاء من رسائل سياسية لشعوب العالم وحكوماتها وكذلك للشعب السوري الذي تابع اللقاء بكل اهتمام.
في البداية تحدث الرئيس الأسد حول عملية طوفان الأقصى، وأكد سيادته على الثوابت الوطنية الفلسطينية بحق الدفاع عن النفس، وحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة ضد الاحتلال، وكذلك حق الرد على جرائم الاحتلال، فغزة هي جزء لا يتجزأ من فلسطين، ومن حق أهالي غزة كطرف مظلوم ومضطهَد أن يبادر للدفاع عن نفسه، وهذا ليس مبرراً لدولة الاحتلال الإسرائيلي لتستخدم القوة ضد الفلسطينيين دون تمييز بين صغير وكبير أو بين طفل وامرأة، فالكل أصبح ضحية العدوان الإسرائيلي.
وأشار السيد الرئيس إلى أننا لا يمكن أن نفهم ما يجري في قطاع غزة من دون فهم ما يجري في فلسطين ككل تاريخياً ومنذ العام 1948، فالتاريخ لا ينفصل عن الحاضر، ولا عن الماضي، لا في غزة ولا في فلسطين ولا في أوكرانيا أو روسيا، فكما أن غزة هي جزء من فلسطين المحتلة فإن أوكرانيا هي جزء من روسيا وجزء كبير من سكانها روس، وهذا يمكن تأكيده من خلال العودة للتاريخ.
بالنسبة للموقف العربي مما يجري في غزة وفي المنطقة عموماً، وصف السيد الرئيس هذا الموقف بأنه ضعيف، وهذا الضعف هو بسبب التجزئة المفروضة من الغرب، فالعرب لا يصدرون سوى بيانات الإدانة منذ أربعين عاماً، وكل دولة عربية تعمل لوحدها دون تنسيق مع بقية الدول العربية، وهناك ضغوط غربية واضحة وهي موجودة في القرارات العربية، وبات لا أحد يعقد أي أمل على مواقف الدول العربية، والفلسطينيون يعرفون هذه الحقيقة لذلك لجؤوا إلى المقاومة والقوة لاستعادة حقوقهم والاعتماد على أنفسهم.
كما أشار السيد الرئيس إلى أن الغرب يستخدم الكذب والخداع عبر وسائل الإعلام، ويقوم بعملية تجهيل ممنهجة للشعوب بهدف تزوير الواقع والتاريخ وحرف أنظار شعوبه عن الحقائق وعن سياسات وجرائم الغرب حول العالم، بينما في سورية أو روسيا فالحكومة تتمسك بإظهار الحقيقة والشفافية، والحكومات تشارك الشعب وهذا ما يخلق حالة وطنية عامة تؤدي لدعم الشعب للقيادة.
والغرب يتبع نهجاً لا يسمح لروسيا بأن تكون دولة قوية منذ أيام القيصر بطرس الأول وهو اليوم يستخدم الليبرالية الحديثة لكي يفتت بنية المجتمعات والعائلة وبالتالي يفكك الوطن من الداخل، وهذا التأكيد على دور النيوليبرالية هو بهدف التوعية من مخاطرها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ويرى السيد الرئيس بأنه من المهم التركيز على وعي المواطن والتركيز على ثقافة الحوار لمواجهة الروايات الغربية فالحقيقة أقوى من الكذب لأنها دائمة ومستمرة أما الكذب فهو قصير المدى ومؤقت.
وحول قوة روسيا اليوم والتي تقارع حلف شمال الأطلسي بأكمله لوحدها فقد عد السيد الرئيس بأن روسيا هي صمام الأمان بالنسبة لسورية ولدول كثيرة.. وروسيا دعمت سورية في حربها ضد الإرهاب لذلك ما يجري في روسيا ليس شأناً داخلياً روسياً بل يؤثر على العالم، ومصير العالم يتوقف على روسيا ونتائج حرب أوكرانيا. والتوازن الدولي رهن بعودة روسيا ودورها القوي في الساحة الدولية، وبدور أقوى من دور الاتحاد السوفييتي السابق.
كما أشار السيد الرئيس إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لا تنظر لأوروبا كشريك بل كتابع لها.. وترى رؤساء أوروبا مديرين تنفيذيين في شركة وبالتالي تابعين للولايات المتحدة وليسوا أصحاب قرار فالملفات كلها بيد الإدارة الأميركية التي لها مصلحة بالحروب ولا تفهم سوى لغة المصالح والمال ولا تؤمن بأي مبادئ سياسية.. فمثلاً ترامب كان ضد الحرب وكان يريد سحب القوات الأميركية من منطقة الشرق الأوسط، لكنه اضطر لتوجيه ضربة عسكرية لسورية دون أي مبرر فقط لتقديم شهادة حُسن سلوك للإدارة التي تتحكم بكل شيء من خلف الستارة وهي شركات السلاح والنفط والمال والإعلام.
كما حاول الرئيس بوتين بناء علاقة مع الغرب ولم يستطع، فالغرب لا يقبل بروسيا كشريك.. كما أن أميركا لا تقبل بأوروبا كشريك أو حليف. ونحن في سورية حاولنا بناء علاقات مع الغرب أو مع العقلاء في الغرب ولم نتمكن بسبب عقلية الغرب التي لا تؤمن سوى بالهيمنة والربح والمصلحة.
حول الحصار الغربي لروسيا قال السيد الرئيس بأن الغرب حاصر كوبا منذ الستينيات ثم حاصر سورية وإيران وكوريا الشمالية واليوم روسيا والصين.. في النهاية سيكتشف أنه هو المحاصَر لأن علاقات الدول ما زالت قائمة بين بعضها البعض بغض النظر عن أوروبا والولايات المتحدة، والدولار بدأ يفقد قيمته ووزنه كعملة عالمية، والحصار هو إجراء أحمق ولا تأثير كبير علينا جراءه.
وحول العقوبات الغربية الشخصية على الرؤساء، أوضح السيد الرئيس بأن هدفها رمزي لإظهار الغرب على أنه قوي وقادر على فرض عقوبات وإرسال رسائل لدول العالم بأنه قادر على تحدي رؤساء دول، بينما في الحقيقة هذه العقوبات لا قيمة لها.
كما أوضح السيد الرئيس أن أي رئيس دولة يرضى بأن يكون أداة بيد الغرب سيتحول إلى مهرج وكوميدي، كما في حالة زيلنسكي الذي فرض عقوبات على سورية فقط ليبرهن أنه لعبة وأداة بيد الولايات المتحدة الأميركية التي تريد رؤساء دول على شاكلته يدمرون أوطانهم.
وشدد السيد الرئيس على أن التمسك بالمصالح الوطنية هو صمام الأمان، لأن من يهادن الغرب سيخسر في النهاية، أما من يتمسك بقضايا وطنه سيحظى باحترام شعبه فالعلاقة مع أميركا والغرب مؤقتة وستنتهي بمجرد تأدية الدور الوظيفي والأمثلة على ذلك كثيرة.. أميركا لا تؤمن بالأخلاق بل فقط بالمصلحة ولذلك من يقف مع مصلحة شعبه سوف يربح في النهاية.. والناس يلتفون حول المواضيع والقضايا الوطنية ولذلك لا يجب التنازل عن القضايا الوطنية مقابل الحصول على الدعم الغربي المؤقت.
وأوضح السيد الرئيس بأن الغرب تحكمه أنظمة رأسمالية متوحشة بصيغة شركات السلاح والنفط والمصارف والإعلام، وهي تسعى للربح وجمع رؤوس الأموال ولا يمكن أن تكون بخدمة الشعب بل بخدمة مصالحها.. والطبقة الوسطى في الغرب تتلاشى لصالح طبقة الأغنياء.. والمواطن لا حقوق له سوى التصويت في صندوق الاقتراع وفق ما يتم إملاؤه عليه.. فهو لا يساهم في صنع القرار ورأيه غير محترَم من قبل الطبقة السياسية.. فكم مظاهرة خرجت ضد احتلال العراق وضد الحرب على غزة ولم تغير شيء في السياسة الخارجية للغرب.. الإعلام هناك يتحكم في كل شيء وبقناعات المواطنين.. يشيعون بأنهم ديمقراطيون وغيرهم ديكتاتوريون لكن هم من تسبب بمقتل ملايين الأبرياء في الحروب وهم من يحتل الدول وهم مجرد لصوص لا يستحقون أن نبذل أي جهد لتقييمهم أو الاستماع لتقييمهم لأحد.
وحول الانتخابات الرئاسية الأميركية قال السيد الرئيس أن الإحصاءات تشير إلى أن دونالد ترامب سيفوز بسباق الرئاسة، لكن في النهاية ترامب أم بايدن كلاهما مدير تنفيذي لشركة تملكها لوبيات المال والمصارف والنفط والسلاح والإعلام.. هذه اللوبيات هي من تحكم أميركا في الحقيقة.
أستاذ بجامعة تشرين – سورية.