الملحق الثقافي-رولا حسن:
نص طازج وحساسية مختلفة ، شاعرات سوريات
الكتاب الثاني – الشاعرة السورية صفاء محمد
مواليد طرطوس – الشيخ بدر
معهد متوسط للمراقبين الفنيين
لم يصدر لها أي مجموعة شعرية
تكتب في المواقع والدوريات الإلكترونية
النبرة الخافتة
تكتب صفاء نصًا غنيًا ومحتشدًا، تستثمر فيه طاقات المفردة الشعرية حتى أقصاها، حيث تعمل على التقاط ارتعاشات الإحساس الأولى على طزاجتها قبل أن تتلاشى وتذوي، في محاولة جادة للإيحاء والإشارة فهي تقدم باقتصاد وبقول قصير نسبياً ومكثف قولها الشعري مبتعدة عن مطب الوقوع في مطب المتوالية السردية.
ثمة إشارة دائمة في قصائدها إلى حدث ما لاتريد إيضاحه وإنما الإشارة إليه هذا الحدث يتصل بالمشاعر الداخلية وما يوازيها في العالم الخارجي لتخلق شبكة من العلاقات تمنح القصيدة شعريتها.
تعتمد صفاء لغة شعرية تخفف من ضجيج العاطفة ومن الشعور الهادر فتعمل بهدوء وفي حياد واضح وبنبرة خافته، حيث تتبدى شعرية النص من تفاصيله القليلة المتراصة وبصوره الناعمة المتصلة عميقاً بذات الشاعرة، حيث يظهر الشعر في بلاغة الصورة المشكلة وعلاقات الأشياء داخل المشهد الشعري التي تبرع الشاعرة في إيجاد علاقات من نوع مختلف تحيد فيها المفردة عن سياقها لتضعها في سياق آخر يعطي الصورة نكهتها على سبيل المثال :»خيبات اللون البارد، توليب الحكايا، أفكاري غابة موحشة …إلخ
ثمة تواز في نصوص صفاء بين عالمين عبر هذه العلاقات العالم الخارجي والعالم الداخلي للشاعرة وذلك عن طريق الصور التي تربط أطراف القصيدة كشبكة عنكبوت نلمس من خلال ذلك تلك الذات المستوحشة وذلك دون ضجيج عاطفي، ذات إنسانية بسيطة وفي حالات بسيطة وعبر أداء لا يقل بساطة، لكنه أداء متقن وهذه إحدى السمات المهمة التي ركز عليها منظرو ما بعد الحداثة فقد حدد فريدريك جيمسون شعرية ما بعد الحداثة :»بأنها الشعر الذي يميل إلى البساطة والذي ظهر كرد فعل على الشعر المعقد الأكاديمي».
الأمر الذي جعل صفاء تحقق حالة شعرية دالة من خلال علاقة الأشياء الجديدة ببعضها عبر اعتمادها لغة المفارقة المشحونة بالدلالة والإيحاء.
مختارات
على إيقاعها الجليدي
يميل قطب الحياة في غيابك
خيبات اللون البارد تحاصرني
كسياط تجلد الأمكنة بالصقيع
وأنا كالحلم في المنافي أضيع
لا تهلِ الصمت على توليب الحكايا
فأغرق بالسبات
اللغة أنثى خصبة حين ترتدي حقول قلبك
تربي لوحتي على شغف المزج
لألتقيك صدفة في نزهة لون مغاير
لون اللقاء…أحمر
والوقت شرطي مرور فاسد
يمنعني من عبور رصيف الفرح
دون أن أدفع عمري كاملاً
رشاوى…
٢
أفكاريَ غابةٌ موحشة
وحدهُ النّصُّ يجوبني
كقاطعِ طريق..
٣
بمائه أرقصُ كسحابة
أخرجُ من جسدي
بسرّ المطر…
٣
أحضن الحروف
نصي الليلة
يتيم جداً
قالت دمعة في آخر السطر
كم أفتقدك……….
٤
الوحدة أرملة الليل
ترتق في عباءتها
ثقوب ذاكرة تفيض
أنا من هناك
أنظر ذاك الضوء البعيد الوحيد تماماً
على شرفته يتكئ ليل
كم يشبهني
يكتبني هذا الليل
لغة ضريرة
والريح تتلمسني
أحرفاً نافرة
الليل مبراة لغتي
والأوراق قلب
ثقبه الحنين
٥
أنا امرأة لا أكثر ولا أقل
لا أجيد الشعر
فقط أطهو مفرداتي بالصبر
قبل أن يقددها الملح فلا تعود تقوى على مضغها بنات أفكاري اليتامى
ألمع بالدمع أرضية حلمي لتعبرها السماء
بقوسها الذي أحب
ولأني لا أجيد الغناء
سكنت حنجرة أمي لأهدهد لصبي الليل
سلّم القصيدة
لأني لا أجيد الرقص وحدي
أسلم كل ليلة للريح خصري
وأدور على وتر الرباب أرسم براري روحي البعيدة
وأنا أم لقصيدة
أنجبتها بعد عقم طويل بنبوءة ما
من خمر نبي
أنا امرأة من حبر سري
كلما سبرت أغواري كشفت لآلئ المعنى
درة لا يقربها منك إلا العمق
أنا امرأة لا أكثر ولا أقل.
العدد 1181 – 12 -3 -2024