الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
لم تكن الحرب على سورية حرباً تقليدية بين طرفين متنازعين، إنّما كانت حرباً مركّبة لها أذرع عديدة وأهداف تدميرية بعيدة المدى، تدمير الإنسان أولاً ومن ثمّ البنية التحتيّة للمجتمع، إضافة إلى تدمير المنظومة الفكريّة والثقافيّة والقيمية والأخلاقيّة، وصولاً إلى إسقاط الدولة بكل مكوناتها، وتحويلها إلى دولة فاشلة تقوم على أسس طائفية ومناطقية وعشائرية وقبلية.
لكن الصمود الأسطوري للشعب والجيش والقيادة اسقط كل المخططات التآمرية الخارجية والداخلية والتي ادّعت زوراً وبهتاناً بأنّ ما جرى هو (حراك شعبي) أو (ثورة )؟! الغاية منها التغيير وتحقيق (الديمقراطية ، العدالة الاجتماعية و..)هذه الشّعارات الخلّبية الواهية، والتي قامت على الوهم والخداع وتزييف الحقائق والتضليل الإعلامي الممنهج، واجهت تحرّكاً شعبياً حقيقياً كان للمبدعين والمثقفين والفنانين والإعلاميين دوراً هامّاً ومفصليّاً في مواجهة الحرب الكونيّة، وكشف المؤامرة ودحرها، وتحقيق الانتصار من خلال البندقيّة المقاتلة والكلمة الصّادقة والصّورة الصحيحة والدقيقة واللوحة الفنيّة، والتي تعبر عن حال المجتمع السوري بكل أطيافه.
لم يقف المثقفون مكتوفي الأيدي تجاه ما جرى خلال فترة الحرب والتي امتدت لأكثر من عقد بل انبروا على المنابر الثقافية وفي مختلف المناطق، ورصدت أمجريات ما جرى وقدمت المطابع عشرات الكتب ولمختلف الأجناس الأدبية من شعر وقصة ومقالة ورواية و…تلقي الضوء على الواقع وطبيعة ما جرى من تدمير وتشويش وتفتيت لبنية المجتمع السوري القائم على التعددية والغنى الثقافي والفكري، كما واكبت وسائل الإعلام الوطنية والخاصة وبروح عالية من المسؤولية حيثيات تلك الحرب القذرة ونشرت الصحف المحلية ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية ومنصات التواصل الاجتماعي آلاف المقالات والتحقيقات والبرامج والمسلسلات الدرامية والأغاني الوطنية والتي تجسد تماسك المجتمع السوري، وتدحض بالأدلة والبراهين والوثائق حجم المؤامرة الكونية، وأسكتت أبواق الدعاية المشبوهة والأقلام المأجورة التي جندها مشغلو تلك الحرب عبر ادوات رخيصة ودنيئة، ترتبط بالمال والمكاسب الشخصية.
لقد عبّر المبدعون السوريون على اختلاف مواقعهم عن هموم المواطن والمجتمع من خلال الكلمة واللوحة والريشة ومختلف وسائل الإبداع رغم كل الصعوبات، وما إن عادت المناطق التي طالها الإرهاب إلى حضن الوطن حتى بدات تتنفس الأمن والأمان وتعيد دورة الحياة إلى مسارها الطبيعي فذهب الأدباء والكتاب والشعراء إلى تلك المناطق ليقيموا أنشطتهم الثقافية بهمة عالية ودأب لا ينقطع وهذا بحد ذاته يؤكد أن مسؤولية المثقف والمبدع مسؤولية وطنية وأخلاقية تجاه المجتمع والوطن.
إنّ القلّة القليلة من المثقفين او أشباه المثقفين، أو كانوا يشغلون مواقع ثقافية معينة انحرفوا عن المسار الوطني وبتنا نراهم على الشاشات المأجورة أو من خلال مقالات في الصحف التي تبنت خط دعم الإرهاب والإرهابيين وهم يبثون سمومهم وحقدهم لزعزعة تماسك المجتمع وثقته بمؤسساته الوطنية، قد سقطوا وانكشفوا أمام المجتمع والرأي العام وأصبحوا نكرات مصيرهم إلى مزابل التاريخ.
لقد عرّت الحرب أمثال هؤلاء وكشفتهم على حقيقتهم وهم الآن يتسكعون في شوارع المدن التي وقفت مع الإرهاب ضد سورية وشعبها وقيادتها.
بكل تأكيد أن ما كُتب عن الحرب على سورية وتأثيراتها المختلفة سياسياً واجتماعياً وثقافياً، ونتائجها وتداعياتها يصعب الإحاطة به عبر مقالة أو كتاب أو …وما سيكتب لاحقاً أيضاً يصب في هذا الاتجاه والذي يعكس الدور الريادي للمثقفين والمبدعين السوريين تجاه وطنهم ومجتمعهم والذي لا يمكن نكرانه أو الالتفاف حوله، ففي القضايا الوطنية لا يمكن ان يكون المبدع حيادياً او رمادياً، خصوصاً عندما يتعرض الوطن لحرب كونيّة تعمل على إنهاء وجوده وشرذمته وتقسيمه على أسس دينية وطائفية بعيدة كل البعد عن ثوابته الوطنية والقومية وتاريخه وحضارته الموغلة في القِدم.
وعندما فشل مشروع المؤامرة عسكرياً لجأ المتآمرون للحرب الاقتصادية ومحاربة المواطن في لقمة عيشه ومكونات وجوده، وقد واكب الإعلام الوطني والمثقفين هذا الواقع وكتبوا وأشاروا بقوة إلى هذا الواقع وضرورة إيجاد الحلول الناجعة التي تصون حياة المواطن وعيشه الكريم، من خلال إيجاد البدائل ومحاربة الفساد والمفسدين وتدوير عجلة الإنتاج لتأمين الأساسيات بكل كرامة.
قولاً واحداً إن الدور الذي لعبه المثقف والمبدع السوري خلال فترة الحرب الطويلة، ساهم بشكل كبير وفاعل، إلى جانب تضحيات وبطولات جيشنا الباسل والقوات الرديفة، وصمود شعبنا الأسطوري ودعم مؤسسات الدولة في إدارة المواجهة وصنع الانتصار.
إنّ ما ينتظر المثقف والمبدع بعد الحرب لا يقل أهمية عن دوره خلال الحرب وهذا يتطلب المزيد من الوعي وتحمّل المسؤولية ، يتطلب البحث والرصد والكتابة والمساهمة بفعالية في إعادة الإعمار مادياً ومعنوياً وفي مختلف ميادين الحياة .
العدد 1182 – 19 -3 -2024