الثورة – بشرى سليمان:
كلنا يذكر كلمات أم الفوز والدة الشهداء الخمسة “استشهاد أبنائي وسام شرف وكرامة وعزة لنا وللوطن” هذه السنديانة السورية سطّرت مجداً سجلته القلوب قبل التاريخ ، فهي التي رّبت أبناءها على الشرف والكرامة والكبرياء ، وقدّمتهم شهداء أبطال على محراب الوطن، زفّتهم بدموع الفرح والفخر بمن أنجبتهم وعلمتهم التضحية والاستبسال عندما يناديهم واجبهم الوطني، وقد أصبحت هذه العظيمة “أم الشهداء ” كما يحلو لها أن يناديها الجميع .
أم الفوز وأمهات الشهداء أيقونات رُسمت بماء الحياة فكّللت وطنها الجريح بالغار والنصر الذي صنعه فلذات أكبادهن، وحتى باقي الأمهات يعشن بظروفٍ صعبةٍ استثنائية منذ بدء الحرب إلى الآن ، فلو تحدثنا عن ساعات اليوم الأربع والعشرين كيف تقضيها المرأة بانتظار الكهرباء لتعبئة ماء الخزان ، وقد تكون الثانية صباحاً أو الثالثة أو الرابعة، لا مانع للوقت، أو لصنع الطعام على الطباخ وعلى مراحل، أمّا وجبة الغسيل فتدعو الله أن تجهز قبل موعد الانقطاع… وفي الصباح تنطلق إلى عملها- إن كانت موظفة، لتعود ظهراً وقد أنهكتها أزمة المواصلات الخانقة، لتجد أطفالها بانتظار رعايتها ومساعدتها في الواجبات المدرسية، ليأتي المساء ومعه الزوج الذي أتعبته الحياة ومتطلباتها فتكون له المؤنسة المساندة المسايرة لغضبه من واقع استنفد صبره وروحه.
الأمومة أصبحت معاناة، لكن الأم السورية تتفرد بجبروتها في مواجهة أحلك الظروف كي تعيش وتحمي أسرتها، وتفيض أملاً ومحبة، وتستمر في البذل والعطاء والتضحية وقلبها مفعمٌ بالشوق لرؤية أبنائها في أفضل حال.
ألا تستحقُّ هذه العظيمة، طبيبة القلوب، مهندسة الأيام، معلمة العقول، كل يومٍ عيد؟! هذه الصابرة القوية الصادقة التي تنجب أبناء المستقبل رغم قسوة الظروف وقلة الحيلة ،لتصنع الفرح والأمان والنجاح.