الخشب الشفّاف

الثورة – إعداد ياسر حمزه:

شَكَّل الخشب عنصراً رئيساً في تطوُّر الحضارة الإنسانية منذ ما قبل التاريخ وحتى عصرنا الحالي، ومع أن المعادن حلَّت محله في بعض وظائفه منذ العصر الحديدي، ومن ثم اللدائن (البلاستيك) التي اكتُشفت عام 1907م، يعود الخشب اليوم ليحظى باهتمام أكبر من جانب جديد لم يكن متوقعاً، وذلك من خلال الخشب الشفَّاف الذي يبدو وكأنه يطل علينا من عوالم الخيال، إلا أنه حقيقةٌ واقعةٌ، وقد يصبح جزءاً من عيشنا في وقتٍ قريب.
ليس الخشب الشفّاف مجرّد مادة يمكن للمرء أن يصنع منها بعض الحلي فقط. إذ يمكن أن يصبح مادة مهمّة للتحوّل إلى مصادر الطاقة البديلة، نظراً لعدد من العوامل.
الخشب الشفّاف اختراع حديثٌ عمره بضع سنوات فقط. لكن على الرغم من أنه لم يُستخدَم حتى الآن في صناعة البناء، فهو في الواقع يمتلك عدَّة مزايا يتفوّق بها على المواد الشفّافة الأخرى، كالزجاج واللدائن، وجاء هذا التأكيد في بحث واسع شاركت فيه مجموعة كبيرة من علماء المواد من الولايات المتحدة وسويسرا، فهو أولاً مادة قابلة للتحلّل بيولوجياً، ويؤهّله هذا لأن يكون بديلاً “أخضر” للدائن والزجاج. وهو أيضاً غير قابل للتشظي، ويمكنه تحمل صدمات تكسر الزجاج، وحين ينكسر من صدمات أقوى، فإنه ينشطر قطعاً كبيرة غير حادة الحواف، ولا يتهشّم في قطع حادة. ومن المعروف أهمية هذه الخاصية في الأبنية المشادة في أمكنة معرَّضة للزلازل.
وللخشب الشفّاف صفة فريدة هي أنه ينشر الضوء ويبثّه في الداخل. ونتيجة ذلك ينير الخشب الشفّاف البيئة الداخلية بالتساوي بين الأمكنة، مثلما يفعل الضوء الطبيعي. أي إنه ينير الزوايا التي تظل مظلمة حين تُضاء الغرف عبر نوافذ زجاجية. كذلك يكون الخشب الشفاف مجهزاً بقدرة طبيعيّة على صد الوهج المبهر، وعلى منع مرور الأشعة فوق البنفسجية.
تاريخ الخشب الشفّاف وطريقة إنتاجه
في عام 1992م، طوّر الباحث الألماني زيغفريد فينك طريقة كيميائية تجعل الخشب شفَّافاً، والطريقة التي اتبعها في هذا التطوير تمر بخطوتين: التنظيف الكيميائي (أي التبييض– bleaching)، ثم التنظيف الفيزيائي، من خلال ترشيح الخشب بسائل صافٍ قليل اللزوجة.
وكان هذا العمل لأغراض البحث الاختباري فقط، من أجل دراسة الفجوات في بنية عيّنات الخشب، ولم يكن القصد تصنيع نوع جديد من مواد البناء.
وبهذا ظل الأمر محفوظاً عقدين من السنين في أدراج الفضول العلمي، ولم تخطر في البال محاولة الاستفادة منه.
لكن في عام 2016م، أعاد فريقا أبحاث مختلفان اكتشاف هذه الميزة تقريباً في الوقت نفسه.
اهتدى الفريقان، كلٌّ بمفرده، إلى طريقة لإزالة المواد الكيميائية الملوّنة من الخشب، حتى لا يبقى سوى البنية الشفَّافة التي كانت تحتوي على تلك المواد الملوّنة ولهذا، تُبيّض قطعة الخشب وتُغلى في محلول كيميائي لنزع مادة الخشبين (lignin)، وهي الجزيء الذي يعطي الخشب لونه البني. ولما كانت مادة الخشبين تملّط الخشب من داخله فإن نزعها يجعله هشاً.
ومن أجل تحسين صلابته وجعله أقوى، تُنقَع قطعة الخشب في الإيبوكسي (epoxy) الصافية، ثم تُدخَل في حجيرة فراغية.
وفي النهاية ما يبقى هو الخشب الشفَّاف، الأقوى من الخشب العادي. إلا أن هذه العمليّة تشكو من عيبين كبيرين. فمادة الإيبوكسي المستخدمة لتصليب الخشب ليست صديقة للبيئة، وأما كلورايت الصوديوم المستخدَم في تبييض الخشب، فيُنتج كثيراً من فضلات السوائل. ولذا كان لا بد من خطوات أخرى ضرورية حتى يصبح الخشب الشفَّاف أرفق بالبيئة.
الطريقة الجديدة المحسَّنة لصناعة الخشب الشفّاف، التي اقترحها باحثو جامعة ميريلاند، لا تحتاج إلى التسخين أو أي استهلاك كبير آخر للطاقة، كالذي تستهلكه صناعة الزجاج.
تجاوز السلبيات
حديثاً توصَّل باحثو جامعة ميريلاند الذين سلف ذكرهم، إلى ابتكار يتجاوز السلبيات التي ظهرت في صنع الخشب الشفّاف في الاختبار السابق.
فقد اهتدوا إلى طريقة لإبقاء بعض الخشبين، لكن مع إزالة الملوّن منها.
وقد أنجزوا هذا بفرك الخشب ببيروكسيد الهايدروجين، وتركه تحت مصباح ضوء فوق بنفسجي.
ثم نقعوه في الإيثانول لإزالة ما علق به من رواسب، مع الحفاظ على استخدام الإيبوكسي الصافية بهدف تصليب الخشب.
والخشب الشفَّاف الذي تنتجه هذه الطريقة يمرِّر %90 من الضوء، ولأن الخشبين لم تُزَل كلها، فإنه أقوى خمسين مرّة من ذلك الذي يخلو منها تماماً.
إن طبيعة هذه المادة تتيح بعض الحلول المعمارية الجديدة والخلّاقة، إذ إنها تجمع بين قوة الخشب وشفافية الزجاج. “فالخشب الشفّاف أخفّ وأقوى من الزجاج. ويمكن استخدامه للنوافذ الحاملة للأوزان، و يمكن استخدامه في بناء بيت شفّاف.
الخشب الشفّاف والطاقة الخضراء
أهم ما في هذا الخشب الشفَّاف أنه يمكن أن يصبح مادة مهمّة للتحوّل إلى مصادر الطاقة البديلة، نظراً لعدد من العوامل. فالكربون المنبعث من إنتاج الخشب الشفّاف أقل بكثير منه في صنع الزجاج أو اللدائن.

إن تجهيز المبنى بنوافذ خشب شفّاف يساعد في تقليص تكلفة الطاقة مع انخفاض مقدار الطاقة المطلوبة عندئذ لإبقاء المبنى دافئاً. كذلك يمتاز الخشب، خلافاً للزجاج، بامتلاكه قدرة تخزين حراريّة فريدة. فهو يخزِّن الحرارة في النهار، ثم يطلقها في الداخل في الليل، وبذلك يخفض تكلفة التدفئة خفضاً إضافيّاً.
أهم ما في هذا الخشب الشفَّاف أنه يمكن أن يصبح مادة مهمّة للتحوّل إلى مصادر الطاقة البديلة، نظراً لعدد من العوامل. فالكربون المنبعث من إنتاج الخشب الشفّاف أقل بكثير منه في صنع الزجاج أو اللدائن.
الخلايا الشمسيّة والليزر والخشب الشفّاف
علاوة على أن الخشب الشفّاف مفيد جداً في البناء، فهو يملك احتمال تثوير الإلكترونيات كذلك.
فثمَّة تطبيق محتمل لاستخدام الخشب الشفَّاف في صناعة الخلايا الشمسية في المستقبل. فالخشب الشفَّاف هو “مصدر زهيد الثمن، ومتوافر، ومتجدِّد”، وكل هذه الصفات تجعله مادة مثالية للألواح الشمسية، ولاسيّما على النطاق الواسع.
إضافة إلى هذا، فهو أقوى وأطول عمراً من الزجاج، وهذه ميزات مهمة لمادة توضَع على الأسطح وتُعلَّق على الجدران في الخارج. وكل هذه الصفات تجعل من الخشب الشفَّاف حلاً مستداماً لصناعة الخلايا الشمسيّة، يساعد أيضاً في تقليص انبعاثات الكربون من هذه الأجهزة.
ليزر عضوي؟
وثمَّة وجه آخر لاستخدام الخشب الشفَّاف، هو صناعة ليزر عضوي.
حيث أن الباحثين في المعهد الملكي للتكنولوجيا، طوّروا مادة شفَّافة لصباغ الخشب قادرة على خلق ليزر عضوي تماماً. فقد وجدوا أن قطعة خشب شفَّافة مع مواد مضافة مناسبة، يمكنها أن تبث أشعة ليزر.
الخشب الشفَّاف إذا مادة متعدِّدة الوظائف تبشر بالكثير، ويحق لها أن تزهو بأوجه تطبيقها المتنوّعة في عديد من الحقول: من الأبحاث البيوفيزيائية والليزر العضوي إلى مواد البناء.
فهو مظهر مهم من مظاهر الانتقال إلى مصادر طاقة بديلة. إنه خشب جديد مُجدٍ في استهلاك الطاقة ورفيق بالبيئة، وبديل زهيد لكثير من المواد الحديثة.

آخر الأخبار
قبوات تبحث مع نظيرها التركي تعزيز التعاون المراكز الصحية.. واقع مرير وشكاوى بالجملة هل تعيد " المضيئة " الوجه الجميل للخدمات الصحية ما وراء التصعيد الإسرائيلي في الجنوب السوري؟ التزييف الرقمي.. وباء يؤرق المجتمعات المختار لـ"الثورة" ترويج الأخبار الكاذبة أداة لزعزعة الاستقرار قطاع الدواجن.. فرص استراتيجية مؤهلة للاستثمار سريع الدوران والإنتاج ومجال رحب لاستقطاب الأيدي العامل... مهزلة التأمين.. فشل وفساد الهيبة لـ ( الثورة ): سنتجاوز إرث الماضي وانطلاقة لمواكبة المتغيرات وتوسي... الشرق الأوسط إلى أين؟ تصعيد إسرائيلي وتهديدات متجددة لدمشق.. والخارجية تُدين وتحذر من زعزعة الاستقرار تنظيم عمل تجار سوق الهال في اللاذقية "الكريات البيضاء" باللاذقية تطلق مبادرة لتنظيف كلية الحقوق  حدة التوترات التجارية بين واشنطن وبكين تتصاعد.. والعالم يتابع بقلق  "علم الجمال بين الفلسفة والأدب" في جامعة اللاذقية "الشيباني" يستعرض نتائج الزيارة إلى قطر: اتفاقات لتعزيز الاستثمار ودعم القطاعات الحيوية مرسوم رئاسي بتعيين أحمد نمير محمد فائز الصواف معاوناً لوزير الثقافة  بيان سوري قطري: التأكيد على تعزيز التعاون وتطويره احتياجات العمل الإعلامي في لقاء وزير الإعلام بإعلاميي درعا تراجع جودة الرغيف في فرن ضاحية الشام استبدال محولات لتحسين الكهرباء بريف طرطوس صياغة جيل زراعي وتنمية المراعي.. نحو بادية مستدامة قريباً.. السفارة السورية تفتح أبوابها في الكويت