الملحق الثقافي- رجاء شعبان:
يأتي الشعر مع الربيع، فالربيع شعر والشعر ربيع! لو تخيّلنا الحياة من دون شعر فهي تغدو باهتة كفصولٍ ينقصها ربيع، وشاء الشعر أن يكون من الاستشعار والشعور بالشيء وانبثاق المشاعر وتحرّكها حيث إحساس الحياة.
الشعر رقرقة الوجود وجدول الكلمة الجميلة ونسيم العشاق وبحر المعاني اللذيذة..
الشعر مرآة القلوب وسيوف العقول تستل أغمدتها وتشرعها في وجه الجهول والخمول… الشعر نبض ويا له من نبض شعاع.
قد نعتقد أنّ الحياة تسير من دون شعر وهذا محال، الشعر غناء الوجود ومحالٌ هو الوجود من دون غناء، فالأشجار تغنّي، والنسيم يعزف.. والماء يرتّل والبحر يضجّ بأغنياته المخفية بعمقه والمتناثرة في الموج حيث الشاطئ والمطر يدرغل والطير ينشد والطفل يناغي والأم تلحّن… وكل كل شيء يغدو في قصيده يدوزن… حتى الآلة في حركتها وتناغمها مع صوت يصدر منها ستتحول لسمفونية من نوع ما… وصافرة قطار توحي بالمجيء أو المغادرة إعلان نغم قديم لرحلة جديدة أو عودة ميمونة… رنين هاتف ينقذ من ملل أو سكوت… وهكذا حتى دقّات قلوبنا تدق بنظام ملكوتي متقَن الصنع.
كلّ مخلوق في الحياة من شعر في شعر متضمّن يعيش، أدرك ذلك أم أغفل..
وأنا والشعر توءمان خُلقنا سويّة وأحياناً أشعره هو ذاتي الخفية… وربما أنا ضمنه ضمّدني بخيوط السحر وعبق المعاني من تجريح الخارج من الواقع، وأخذني على جناحَيه رحلات إسراءٍ نفسية ومعراجٍ معنوية وقت الأحزان وساعة الأفراح… بل كثيراً ما دعاني للاستماع والاستمتاع بأحاديث الغير من الشعر…. فكان الشعراء أصدقائي المقربون وعباراتهم نغماتي في الدروب ألحّنها ومع خطواتي أنشدها أغاني من عشق الوجود بفنٍّ وسحرٍ ولذّةٍ.
ربّما الشعر يشبهني أو أنا أشبهه، لا أتخيّل يومي ودمي من دونه… فلوني شعري شاعري أشقر أخذ من الصباح شقرته… وقلبي أحمر أزهر كشفق الغروب من النثر هيبته.
أنا والشعر حكايات الأشجار وأسماع الطرقات المنصتة لأحاديث التسلية والأحداث.
يا شعر وأنت العيد عيدي…وعيد ميلادي معك… نشترك بذات الميلاد من الشهر… فشاء ربي أن يقصّ من الشعر قطعة ويخلقني بها ومنها… وأظل أحنّ لكلّي فيه.
عيد ميلاد سعيد ويوم مبارك يوم يوم مولدك… يا سعادة الروح البشرية.. يا دلع الأيام الإنسانية وأنس الحال والليالي والأحوال.
وأختم من ديواني: «اخضرار الروح» قصيدة بعنوان: «حيرة»
تقول:
كأنّكَ من الماضي البعيد
كأنّي الذكرى
كأنّك غيمة عابرة
وكأنّي سماءٌ مسافرة
في رحيل الغيمات
كأنّك يا حبيبي حزنٌ عميق
كأنّي حسرةٌ مُبحِرَة
كأنّك الموتُ الآتي
وكأنّي الروح الفكرة
فمتى يقوم هذا الموت
متى تسترخي الحياة
متى ينطفئ اللهيب
متى تشتعل الجمرة
ما بي من لحنٍ جميل
إلا ذاك الغفو الراحلُ في العوم
خلف الشوقِ وخلفَ الموت
وخلف الحياة وخلف النوم
إلى لا شيء من قبل أن تُخلق الذكرى
ومن قبل أن تكون الفكرة
وهذا في نفسي أكونُ ألا أكونُ أشيئاً
و ألا أطلب قدرة.
…..
نعم أيها الشعر كأنك كل شيء
كل عام وأنت بي الحلم، ونطق أبجدية الإنسان.
العدد 1184 –2-4-2024