فؤاد مسعد
لجأ كتّاب العديد من الأعمال الدرامية إلى كتابة أعمالهم وفق آلية سرد تعتمد وجود جزأين «غير متساويين» في الحلقة الواحدة، الأول «تمهيدي» يُعبّرعن الزمن الماضي، والثاني هو زمن الأحداث التي يدور حولها العمل، وذهب البعض في هذه الآلية المُعتمدة منذ عدة سنوات إلى التجديد وعدم التقوقع ضمن أطر وأشكال معينة، سعياً إلى إيجاد روح جديدة والخروج عن النمطية الكلاسيكية المألوفة في الكتابة.
وتعتبر هذه الآلية واحدة من خيارات أسلوب السرد، حيث يتم التمهيد للحلقة عبر الترويج التشويقي والقفز مباشرة إلى طرح أحداث قبل العرض، انطلاقاً من مبدأ إشراك الجمهور في حدث لتحفيزه ومتابعة الحلقة كاملة ما يقلل من احتمال تحوّله نحو عمل آخر، وكثيراً ما يُعرض هذا «التمهيد» حتى قبل الشارة أو قبل الإعلان عن رقم الحلقة، وربما يأتي بلونية مختلفة .
عادة كان يحدث التعاطي مع الزمن إما بتسلسل متلاحق للأحداث وصولاً إلى الزمن المراد الحديث عنه والذي تدور ضمنه الصراعات الرئيسية، وإما أن يلجأ الكاتب إلى عدد محدد من المشاهد الاستعادية من الماضي عبر عملية الخطف خلفاً «الفلاش باك». ولكن بات التعامل مع «الزمن» اليوم يحدث وفق آليات مختلفة من عمل لآخر، وأصبح من صلب العمل الدرامي ويشكل خصوصية من خلال حضوره بداية كل حلقة، فيشكل صلة الوصل بين الأحداث، ويدفع مجريات القصة نحو الأمام في كل مرة، سعياً إلى التعشيق بين الفعل والشخصيات والعلاقات فيما بينها.
يقوم الكتّاب ضمن آلية سردهم إلى استباق انطلاق مجريات كل حلقة بأحداث استعادية قديمة وتوظيفها درامياً لتشكل مدخلاً تعريفياً يهدف إلى إعطاء دلالة أو معلومة، أو تفسير وشرح حدث أو الكشف عن مواقف وخفايا وملابسات قضية غامضة، أو إلقاء الضوء على تاريخ شخصية وظروف حياتها وعلاقاتها مع شخصيات أخرى، ومن شأن ذلك كله المساعدة على تبرير ما يجري في الحاضر من أحداث. وبالمقابل هناك من يستبق الحلقة بمشاهد تُنبئ بما سيحدث وكأنها مشاهد التقطت مما سيكون.
التعاطي مع الزمن ضمن هذا الإطار بات يشكل خصوصية للمسلسل، ومن أهدافه تحريك الراكد والخروج عن المألوف ومحاولة كسر السائد لجذب المشاهدين، وتبقى كلها خيارات في أسلوب السرد عبر التمهيد غير المجاني للحلقة لإدخال المتلقي ضمن أجوائها. وهذا السعي نحو إنجاز المختلف كرّسته بشكل أكبر طريقة الكتابة التي من المهم أن يلتقط روحها مخرج يستطيع ترجمتها بكل ما تحمل من منطق تشويقي.
حاجة السرد للتأصيل مع الماضي أو الربط مع أحداث مستقبلية توجه انتهجته هذا العام عدة أعمال، منها مسلسل «تاج» إخراج سامر البرقاوي وتأليف عمر أبو سعدة، ومسلسلي «مال القبان» إخراج سيف سبيعي و»ولاد بديعة» إخراج رشا شربتجي، وهما من تأليف علي وجيه ويامن الحجلي.
الزمن الماضي في مسلسل «ولاد بديعة» قُدِم على مستويين، الأول زمن طفولة الشخصيات الرئيسية الثلاث والثاني مرحلة شبابها، وفي العديد من الأماكن ظهر المستويان معاً في خانة «الزمن الماضي» كما حدث في الحلقتين الرابعة والثامنة، ولكن عندما انتهت مهمة وجود هذا الزمن تم القفز من فوقه ابتداء من الحلقة 21 وتم الاستغناء عنه.
في مسلسل «مال القبان» أتى الزمن الماضي قبل الشارة، وتم اللجوء إلى الدقة في تحديده، حيث كانت تُكتب أحياناً عبارة «في الماضي» للدلالة عليه، وفي مرات أخرى يُكتب «منذ عامين، منذ بضعة سنوات، بعد أيام من زواج فارس ورغد،..» .
أما في مسلسل «تاج» فجاء الزمن الماضي قبل الشارة باللونين الأبيض والأسود، وفي العديد من الحلقات لم يتم اللجوء إلى الماضي وإنما إلى المستقبل، لاستباق الأحداث بمشهد سنراه بعد قليل في السياق الطبيعي للحلقة ولكنه وضعه بدايةً لشد المشاهد وجذبه .
السابق