الثورة – رفاه الدروبي:
إنَّ دورة فهرسة المخطوطات ليست مجرد أوراق فحسب بل أوعية للمعرفة وذاكرة الأمة وحلقة وصل بين الماضي والحاضر إلا أنَّها أبواب لاتزال مغلقة، وتحتاج إلى مفاتيح لنشر العلم لطلابه والدورة مفاتيح للفهارس بما تتضمنه المخطوطات من أسرار وعلوم وكنوز والعنايه بالتراث وإخراجه من الرفوف إلى القراء، كانت في البرنامج التخصصي الأول تأهيل مفهرس المخطوطات في المكتبة الوطنية بدمشق.
تاريخ فهرسة المخطوطات
استهل الدكتور محمود السيد الدغيم حديثه في محاضرة بعنوان “تاريخ فهرسة المخطوطات” واعتبرها وسيلة من وسائل الباحثين المفيدة في الوصول إلى أهدافهم بأقلّ وقتٍ، ومجهودٍ ممكن، مَثَلُها كمَثَلِ طُرقات المواصلات المتطورة عبْر التاريخ الإنساني، فإنَّ الفهارسَ والكشافات تَصِلُ ما بين الباحثِ ومُبتغاهُ في محتويات الكُتُبِ، وطيّات أوراق النصوص المكتوبة، ولذلك يقال: الفهارس مفاتيح المكتبات، وبدونها تبقى مخازن المكتبات مُقفلةً لا يمكن الوصول إلى محتوياتها، وتفقدُ المكتبة وظيفتَها، فنجاحُها بتأدية الغاية منها، وخِدمة الباحثين وذلك مُرتبطٌ بفهارسها يمكن أن تشكِّل صِلَّةَ الوصل بين الباحث ومحتويات المكتبات.
والفهرسة البدائية موغِلةٌ في التاريخ، وأقدمُ ما وصلنا من الفهارس القديمة: فهرس مكتبةُ مَمْلَكَةِ إيبلا عام 2400 و 2250 ق. م بِجِوارِ بَلْدَةِ “تَل مَردِيْخ” في مُحافَظَةِ إِدلبَ، ووُجدت فهارسُ سومرية مكتوبة على الرُّقُم الطينية العائدة إلى سنة 2000 ق. م، وفهارس بدائية تعود لسنة 650 ق م في مكتبة الملك آشور بانيبال في “نينوى” العراقية، وتتضمّن اسم الناسخ، وعنوان اللوحة.
ويقال: إنَّ الشاعر «كاليماخوس القوريني البطلمي» المولِود في “قورينة شحات الليبية”، واشتهر نحو سنة (265 ق: م)، وعاش في “الإسكندرية”، وضع فهرساً مفصّلاً لمكتبتها، وربّما توجد فهارس أخرى لم نقِفْ على أخبارها لأنَّ الأرض تعرّضت لكوارثَ طبيعيةٍ كثيرة من العواصف والسيول، والحرائق، والزلازل والبراكين فأدَّتْ إلى دمارِ مدنٍ، وهلاكِ أُممٍ، ومن أشهر الكوارث طوفان سيدنا نوح عليه السلام، وسيل العرم، وهلاك الأمم البائدة، إضافة إلى الحروب المدمرة بين بني البشر، وابتلعت الأرضُ حضارات كثيرةً تمَّ اكتشافُ بعضِها، ومازال كثيرٌ منها في عالم المجهول،
ومن المكتبات والخطوط القديمة المكتشفة: مكتبةُ مَمْلَكَةِ إيبلا 2400 و 2250 ق. م، ويعتبر السوريون رواد عِلم الفهرسة، وتبدو في فهارس رفوفِ الرُّقُمِ الفخارية في مَكتبةِ مَمْلَكَةِ “إيبلا” الْمِسْمَارِيَّةِ ومكتبة أُوْغَارِيت فِي رَأْسِ شَمْرَة إضافة إلى مَكْتَبَةُ نِيْنَوَى الآشُوْرِيَّةِ في الموصل كانت مَحفوظةً تحت الرُّكام مُنذُ القرن السَّابع قَبْلَ الْمِيلاد، ونحو رُبع الألواحِ التي عَثَرَ عليها المنقِّبون في المكتبةِ الملكيَّةِ بِنَيْنَوَىْ عبارة عن “معاجِم” في اللغات السومريَّةِ والبابليَّةِ والآشوريَّةِ، كما تعتبر مَكْتَبَةُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ من المكتباتِ المثيرةِ للجَدَلِ، وذلك حَوْلَ مُشكِلَةِ حَرْقِها من قِبَل قُدَماءُ “الرُّومانِ الأوروبيين”
تطور علم الفهرسة
وانتقل الدكتور الدغيم إلى تطور علم الفهرسة حيث
ارتبط تاريخياًّ بالمكتبات، والكشّافات بالكتب والوثائق، وتطوّر عبْرَ مسيرةِ الزمن، وقُعِّدتْ قواعدُ، وتشعَّبتْ أصولها وفروعها، فحُدِّدتْ طرُقُ تنظيمِ مداخلِها، واستفاد الخَلَف من تُراث السَّلَف، فتطورت، وتنوعت الفهارس ما بين المختصرات والمطولات، وتباينت مضامين الفهارس حسب طُرُق المفهرسين واجتهاداتهم المتفاوتة ما بين القوائم القديمة المستندة على وصفِ الكيان المادي للنَّصِّ المكتوب، وتحديدِ مقومات مادته الأساسية، وعنوانِه، واسمِ مؤلفه، وناسخهِ، ومالكهِ، وواقِفهِ، وسماعاتِه وإجازاتِه، ومكانِ وزمانِ كتابتِه.
و«الفهرسة الموضوعية التحليلية تقوم على تحليل محتوى النصّ الذي يتضمّنه الكتاب، وتشخيص موضوعه، وتقديم معلومات حول الكتاب وارتباطاته بالعلوم صعوداً وهبوطاً، والكاتب وعصره ومذهبه وما له وما عليه.
تجربته الخاصة
كما قدم الدكتور الدغيم تجربته الخاصة في فهرسة المخطوطات في عَالَمِ المخطوطات العربيةِ والتركيةِ والفارسيةِ؛ وشملت دِراسةً وتحقيقاً وفَهرَسةً في سوريا، ولندنَ، وفي البلدةِ الطيبةِ إستانبول؛ عروسِ عواصمِ المخطوطِ العربي والتركي العثماني؛ لها تاريخٌ ثقافيٌّ حافلٌ قديماً وحديثاً، بأفضلِ مخطوطةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ دخلتْ أرشيفَ هِرَقْلَ قَيْصَرَ الرُّومِ حينما كان يحتلُّ الشَّامَ، ومكتوبُ لرسولِ الله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أرسله مَعَ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ بنِ فرْوَةَ الْكَلْبِيِّ إضافة إلى المشهورِ من المكاتيب المحفوظةِ في خزائنِ مُتحفِ “توب قابي” في إستانبول، ومكتوبُ إلى الْمُقَوْقَس؛ صَاحِب الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مع غيره من الأمانات المباركة.
أمَّا عن تجربته الخاصة مع المخطوطات؛ فبدأتْ في سوريا حيثُ ورث من جدِّه بعضَ الكُتُبِ العربيةِ والعثمانية المطبوعة، والقليلَ من المخطوطات، ومنها: “مخطوطةُ الشعر الشعبي النبطي” واصطحبها معه عندما خرج من سوريا، وصدر له عن دار الحداثة في بيروت كتاب «المادية التاريخية بين الوهم والواقع” نقد كتاب المادية التاريخية والوعي القومي عند العرب ويتألف من “360 صفحة”.
البحث عن النسخ الخطية
بدوره مدير المكتبة الوطنية سعيد حجازي تناول في محاضرة بعنوان “البحث عن النسخ الخطية” جرى خلالها تعريف الباحثين بطرق البحث عن النسخ الخطية المتعددة في المصادر والمراجع وفهارس الكتب منطلقاً من النقطة الأولى للباحث تبدأ من ثقافته واسترجاع معلوماته ثم يعود لأهل الخبرة والاختصاص وأمناء المكتبات، وفهرسة المكتبة وكانت قبل المرحلة الحميدية تكتب باليد لكلِّ كتاب بينما الدفاتر الحميدية تتضمن معلومات الكتاب ونوع الورق وعدد الأسطر والغلاف واسم الكتاب والمؤلف ونجده في مكتبة برلين أيضاً، موضحاً بأنَّ الفهرسة الحديثه تحتاج إلى فهارس بالبطاقات وأخرى الوظيفية والتحليلية ثم العودة إلى الشابكة الإلكترونية وبعض محركات البحث وقواعد بيانات المخطوطات العالمية.