الثورة – يمن سليمان عباس:
ذات يوم قال الشاعر العربي ابراهيم ناجي: تغلو الحياة بها إلى أن تنتهي عند التراب رخيصة كتراب..
صحيح أن ثمة حزناً في هذا البيت، ولكنه يقدم فلسفة الحياة، فهي جميلة بكل ما فيها من الطفولة إلى الشباب إلى الشيخوخة.
وثمة قول آخر لعالم نفس: يقضي الإنسان معظم طفولته وشبابه يحلم بما سيكون عليه عندما يكبر ..
وعندما يشيخ يقضي جل وقته بما كان عليه..
ولكن السؤال أليس ثمة فلسفة أخرى غير هذه؟
فلسفة تجمِّل نهايات الرحلة بكل ما فيها..؟
الجواب من مراكز الفضاء الأزرق التي تقدم ما كتبه عالم الاجتماع السويدي بير يوهانسون والذي دَرَّسَ مادة علم الاجتماع في جامعة ستوكهولم، إذ كتب مقالاً لكبار السن، واضعاً تجربته الشخصية بعد تقاعده عن العمل والتدريس في الجامعة بعنوان (الربع الأخير من العمر)، فيقول: بالأمس كنت طفلاً صغيراً أتساءل أين ذهبت تلك سنوات العمر؟ أعلم أنني عشتها وأتذكر لمحات عن آمالي وأحلامي فيها ولكن فجأة اكتشفت أني أعيش الربع الأخير من حياتي وقد أدهشني ذلك الاكتشاف! أين ذهبت كل تلك السنين؟ومتى وإلى أين غادر شبابي؟ كم قابلت وعرفت من كبار السن طوال حياتي؟ وكم اعتقدت أنَّ الشيخوخة التي اتصفوا بها بعيدة عني؟ ذلك حين كنت في الربع الأول من رحلة العمر، وكان الربع الرابع بعيداً عني لدرجة أنني لم أتمكن من تخيّل كيف يمكن أن يكون حين أبلغه ولكن ها هو الربع الرابع قد اقتحم بابي وتجاوز اعتابي وسلبني شبابي، أصدقائي متقاعدون واصبحوا شيباً، يتحركون ببطء، ويسمعون بعسر، ويفهمون بمشقة، بعضهم حالته أفضل مني وبعضهم أسوأ ولكني أرى التغيّر الجسيم في أحوالهم، ليسوا مثل الأشخاص الذين أتذكرهم، نحن الآن أولئك الأشخاص (كبار السن) الذين اعتدنا على رؤيتهم ولم نتخيل يوما أننا سنكون مثلهم، اليوم اصبحت أرى أنَّ مجرد الاستحمام هو هدف حقيقي لهذا اليوم، والقيلولة لم تعد اختيارية بعد الآن، إنها إلزامية لأنني إن لم آخذ قيلولتي بمحض إرادتي فأني سأغفو حيث أجلس! وهكذا أدخل الموسم الجديد من حياتي غير مستعد للأوجاع والآلام وفقدان القدرة على القيام بأشياء كنت أتمنى أن أفعلها ولكني لم أفعلها أبداً! كم ندمت على أشياء كنتُ أتمنى لو لم أفعلها، وكم ندمت على ما كان يجب أن أفعله ولم أفعله، كما اكتشفت أنَّ هناك العديد من الأشياء التي سُعدت بالقيام بها خلال ما مضى من العمر، لذا إن لم تكن في الربع الأخير من عمرك بعد، دعني أذكرك أنه سيأتيك أسرع مما تتوقع، لذلك كل ما ترغب في تحقيقه في حياتك افعله بسرعة، افعله اليوم، افعله الآن، عش اليوم بشكل جيد، تمتّع بيومك، افعل شيئا ممتعا، كن سعيداً وتذكر بأن “الصحة ” هي الثروة الحقيقية وليست قطع الذهب والألماس والقصور، يجب أن تعلم ويفضّل أن تضع في اعتبارك ما يلي:
• الخروج من البيت جيد ولكن العودة إليه أفضل !
• ستنسى الأسماء لابأس، لأن بعض الناس نسوا أنهم يعرفونك حتى!
• الأشياء التي اعتدت على القيام بها، لم تعد مهتماً بها بعد الآن
• ستنام على الأريكة أو الكرسي وأنت تُشاهد على التلفزيون وستنام بشكل أفضل مما لو كنت نائما في سريرك.
• ستستخدم الكلمات القصيرة مثل: نعم، لا، ماذا؟، متى؟
• ستتحسّر على الملابس الكثيرة في الخزانة فنصفها لن ترتديها أبداً
• سيكون لكل شي قديم قيمة أكثر من ذي قبل في حياتك مثل: الأغاني القديمة والأفلام، والأطباق أيام زمان ، وخاصةً الأصدقاء القدامى !
ويختم العالِم بير قوله: نحن نعلم جيداً أننا لن نستطيع أن نضيف وقتاً إلى حياتنا، ولكننا يمكن أن نضيف حياة إلى وقتنا).”.
وقد سبق هذا العالم القول العربي المأثور: عش لآخرتك كأنك تموت غداً، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبد الدهر)
بهذا المعنى لا تفريط ولا إفراط، ولكل مرحلة عمرية جمالها، فلنعشها دون قلق مبالغ فيه إذ تحرسنا آجالنا، ونحن ماضون إليها فليكن الطريق جميلاً.
التالي