الثورة – رفاه الدروبي:
كانت معرفته الأولى بشعر أنور العطار من خلال قصائده المدرجة في المناهج المدرسية للأدب العربي، وكانت تشده بقوة إلى تلك النفس الشاعرية المرهفة الواقفة خلف النصوص القصيرة المبهرة في تأملات دفعت يراع الشاعر للتعبير في لوحات شعرية تكاد تكون ناطقة في ألوانها وصورها المتألقة، مع الإشارة إلى أنَّ معظمنا قرأناه في الكتب الدراسية، كانت مقاطع أو أبياتاً مختارة من قصائد طويلة له.. إنَّها كلمات استهلها رئيس جمعية العاديات في دمشق الكاتب الدكتور نزار بني المرجة في محاضرة عنوانها “إضاءات على رباعيات أنور العطار” في مجمع اللغة العربية.
الدكتور بني المرجة تابع حديثه عن مصدر معرفته بجوانب التجربة الغنية لحياة شاعرنا الكبير العطار وما قرأ عنه في العديد من الكتب والمقالات لشخصيات من مجايليه وأقرانه وأصدقائه، ممن عرفوه شخصياً، وبعضهم من حديثه عن العديد من صفاته ومناقبه في الشعر والحياة، ومنهم الأديب مروان مراد، مبيناً وجهة نظره بأنَّ الشاعر العطار لم يأخذ حقه من الإضاءة على تجربته الشعرية الهامة وكانت تمثل الواقع تمثيلاً فريداً في المشهد الشعري السوري المعاصر، وكانت بدايات تأسيسه وظهوره الفعلي في الثلث الأول من القرن الماضي، مع بروز العديد من الأسماء المهمة المؤسسة للمشهد نفسه أمثال محمد الفراتي، علي ناصر، بدوي الجبل، بدر الدين الحامد، شفيق جبري، خليل مردم بك، محمد البزم، عمر يحي، عمر أبو ريشة، نزار قباني.
وأشار الباحث الدكتور بني المرجة إلى تميز تجربة الشاعر العطار بالرصانة إلى أبعد الحدود، ولم يكن يطرح نفسه في محافل الثفافة والصحافة على عكس الكثيرين من أقرانه، فكان حضوره يقتصر على النشر في منابر رصينة، أو يترك لمبادرة تلك الجهات لمطالبته بنشر إبداعه، لافتاً إلى ما قاله الكاتب فاروق شوشة: إنَّه أحد الأصوات الشعرية البارزة في سورية من أبناء جيله، ومنهم بدوي الجبل وعمر أبو ريشه، وإن كان لم تتح له شهرتُهما ودوران شعرهما على الألسنة والأقلام، بسبب طبيعته الانعزالية وابتعاده عن المشاركة في صخب الحياة والناس مكتفياً بنشر قصائده في العديد من المجلات الأدبية، وفي مقدمتها مجلة “الرسالة” وكان يصدرها الأديب الكبير أحمد حسن الزيات، حيث يقول عنه: سورية أنجبت أبا تمام والبحتري وأبا فراس الحمداني وأبا العلاء المعري، لا تزال تلد الموهوبين من عباقرة الفن والفكر، لم تعقم بهم في أي زمن، ومن بينهم شاعرنا أنور العطار، وأصدقاء “الرسالة” لا يزالون يجدون في ذاكرتهم حلاوة ما نعموا به من روائع أدبه طوال عشرين سنة، وتمتعنا بما أنشده صاحب “ظلال الأيام” من شعر لم يقع في أذني مثله منذ رحيل أحمد شوقي.
كما أضاف الكاتب بني المرجة عن رباعيات أنور العطار، وعددها مئة وخمس وسبعون، تبدأ كل منها بقوله: علمتني، إشارة إلى ما تعلمه من الحياة، وكأنَّه يستصفي خلاصة خبرته من الدنيا والناس، وجوهر تأمله في كل ما يحيط به من ظواهر الوجود ومظاهره، يختزل فيها نتاج تجربته الحياتية وأن تكون قصيرة في عمر العبقرية، فعاش ما يزيد قليلاً على تسعة وخمسين عاماً، كما يقول ابنه ويشير إلى تراث أبيه الثري والمتميز، كونه نتاج علمه الواسع واطلاعه الكبير وغوصه العميق في تراث الأدب العربي والآداب العالمية الأخرى، وبخاصة الأدب الفرنسي في منحاه الرومانسي، فقد تأثر بالشاعر لامارتين وألفرد دي موسيه، وترجم نظماً كثيراً من أشعارهما، كما أشار في موضعٍ آخر إلى التفات أنور العطار المبكر لشعر كل من أحمد شوقي والبحتري.
ويقول في رباعيته الأولى في مقدمته للديوان:
علّمتني وعلّمتني الحياة
فامّحى الشك وانجلت ظلماتُ
وجهتني بفضلها ورعتْني
رِعْيةً أفردت بها الأمهاتُ
فمن الشوق تنهل العبراتُ
ومن الحب تنبعُ الذكرياتُ
فإذا فاض بالسداد بياني
قلتُ: هذا ما علمتني الحياةُ
ثم لفت إلى أنَّ أنور العطار شاعر دمشق أحبَّ جمال طبيعة دمشق “الفيحاء” فاندمج فيها وتدفق من بين أنامله شعر يشبه دمشق في رقتها، فتميز وعرف به حتى أصبح من أبرز شعراء وصف الطبيعة الدمشقية جاعلاً من بساتين غوطتها ونهرها الخالد بردى أبطالاً لقصائده.
بدوره رئيس المجمع اللغة العربية الدكتور محمود السيد بيَّن أنَّ الكاتب الدكتور نزار بني المرجة له إسهامات عدة في مجال الأدب وصدر له كتب عدة وترجمت بعض أعماله إلى لغات عالمية، وشارك في تأليف المعجم الطبي الموحد لطب الأسنان ورئيس لجمعية العاديات في دمشق ونادي التصوير الضوئي السوري ومؤلف كتاب رباعيات أنور العطار، وتضمُّ كل رباعية فكرة واحدة وتمثل خلاصة فكر الشاعر.
كما أشار رئيس المجمع إلى أنَّ الشعر إن لم يهزَّك عند سماعه ليس جديراً بأن يقال له شعر، والشاعر أنور العطار تميز برقة المشاعر وعذوبة باللفظ وذي جرس موسيقي وسلاسة ووضوح المعاني والتفاؤل ويذكرنا بإيليا أبو ماضي فالمنهل نفسه في الدعوة للتفاؤل ووصفه للطبيعة ونظرته إلى الحياة والمجتمع والتناص الشعري، ويحمل “رباعيات أنور العطار” في مجمع اللغة العربية