الثورة – عبير علي:
“كمشة حجارة وحب كبير وإيمان إنك قادر”.. شعار اتخذته الفنانة التشكيلية كوثر العثمان التي أبدعت في صنع لوحات فسيفسائية، عكست من خلالها ثقافتها وتراث مدينتها حلب، وطبيعة ريفها الساحر.
وفي حديث الفنانة العثمان لصحيفة الثورة ذكرت، أنه وبعد الصعوبات الكبيرة التي عاشتها، بتحديات الحرب وتفاصيلها المتعبة في مدينتها حلب، وتوقفها تماماً عن العمل الهندسي لعدة سنوات، استطاعت أن تثبت نفسها كفنانة، بالإضافة لكونها مهندسة معمارية.. فعملت خلال عام ٢٠١٨ بورشة فسيفساء ضمن مجموعة كبيرة في شتى المجالات، وشاركت المجموعة ضمن معرض بمدينة صافيتا ومعرضين في حلب، بعدها بدأت مشروعها الخاص في فن الفسيفساء، الذي يشبهها بالمواضيع والألوان وفق تقنية جديدة.
ومع الحب والشغف لديها وبتشجيع من والدتها وأختها -حسب ما ذكرت- بدأت بتطوير مهارتها في هذا المجال، وحاولت دمج تقنيات الفسيفساء والرسم العجمي في أعمالها الفنية. مستفيدة من دراستها الهندسية، بطرح طريقتها وبصمتها بلوحاتها مع الألوان الخاصة بها، والتي اعتبرتها جريئة وبعيدة عن الألوان الترابية، المعروفة في فن الفسيفساء القديم.
فمن وجهة نظرها كل فنان يطلق روحه فيه بطريقته الخاصة، من هنا طرحت مواضيع جديدة من بيئتها تفاوتت ما بين نباتية، اجتماعية، والحارات القديمة لمدينة حلب وريفها خاصة وسورية بشكل عام. إذ عكست لوحاتها روعة الطبيعة الريفية، والتراث السوري اللامادي.
وعن الحجر الذي تعمل به، نوهت بأنه حجر صناعي تصنعه بنفسها، والسر في الخلطة المكونة من الجبصين والإسمنت والغراء، التي تمزجها مع مجموعة متنوعة من الألوان لصنع أحجار الفسيفساء لتصنع منها أعمالاً فنية تحاكي الثقافة والتراث والهوية السورية.
وعن مراحل العمل، قالت الفنانة التشكيلية: “أختار الموضوع ثم يتم تصنيف الألوان التي أحتاجها، لأنني أصنعها يدوياً بجميع درجاتها، كون الحجر الطبيعي لا يعطي كل ذلك العدد من الألوان، ثم تأتي مرحلة صب الحجر، وبعدها أرسم مباشرة على اللوحة، وأبدأ بتقطيع الحجر ولصقه ثم يتم النحت، وبعد الانتهاء يبقى موضوع الرتوش واللكر.. أما إذا كانت اللوحات بورتريهات أو أيقونات، تكون صورة يتم لصقها، ثم أعمل بنفس الطريقة”.
ونوهت العثمان بأن كل لوحة ترسمها، يجب أن يكون فيها رسالة تخص ثقافة وتراث منطقتها، وتلامسها من الداخل، وعندما يتم بيع أي لوحة من أعمالها، تشعر أنه تم أخذ قطعة أو جزء من روحها.
وعن أكثر اللوحات التي تشبهها، ذكرت أنها لوحة “الفرات” ففيها انتماء للأرض والريف الذي ولدت فيه، بالإضافة إلى لوحة الصوفية (المولوية)، ومن بين اللوحات الأخرى لوحة “الأقصى” التي رأت تفاصيلها في حلمها، قبل أن تخطها بألوانها الزاهية.
وعن الوقت الذي تحتاجه لإنتاج اللوحة، أوضحت العثمان أن هذا النوع النادر النخبوي من الفن، يحتاج ذوقاً رفيعاً ودقة كبيرة، فيما وقت إنجاز اللوحات يختلف ويتراوح ما بين أسبوع وعدة أشهر، حسب تفاصيل اللوحة وحجمها، سواء أكانت جدارية أم لوحة صغيرة.
ولضمان وصول هذا الفن لأكبر عدد من محبيه، فقد عملت الفنانة على لوحات صغيرة لتداوله، كون تكلفته عالية جداً وخاصة بين جيل الشباب، وضمن الظروف الاقتصادية الصعبة.
وترى الفنانة العثمان أن أي عمل يدوي، يحتاج جهداً كبيراً ومحبة أكبر، للاستمرار فيه، وإقبال الناس عليه وتشجيعهم، لاقتناء اللوحات، فهي تحاول قدر الإمكان خلق بصمتها وأثرها، بما تقوم به من فن قابل للتجديد والطرح بطرق مختلفة، إذ تعمل على إدخال الفسيفساء ضمن مجال الديكور الداخلي بطريقة لطيفة وعصرية وجديدة، كون الفسيفساء هوية وتراث لامادي من تراثنا الكبير وفن التصوير الجميل.
كما تعمل حالياً على لوحات بروح العجمي، المختلف نوعاً ما وطرحه بروح جديدة وعصرية في الديكور والصالونات.
وختمت الفنانة التشكيلية حديثها برسالة لكل من يمتلك موهبة ما.. أن يعمل ويترك بصمته في المجال الذي يحبه، فلكل إنسان أثر يشبهه في الحياة مهما كانت الظروف صعبة، لطالما الإبداع يُصقل مع الألم شرط توفر الإرادة.