الثورة – رفاه الدروبي:
فكر ابن عربي الموضوع على بساط البحث والنقاش والجدل كان موضوع محاضرة ألقاها الدكتور بكري علاء الدين في ثقافي أبي رمانة بالتعاون بين مديرية الثقافة بدمشق ومؤسسة ابن عربي العلمية تحت عنوان: “الرحمة عند ابن عربي”.
استهلَّ الباحث بكري حديثه عن كلِّ مايقوله أبو حيان التوحيدي في كتابه “البصائر والذخائر” إنّ التصوف والفلسفة يتجاوران ويتزاوران لكنّ ابن عربي لاينكر قيمة الفلسفة بوصفها علماً نظرياً وبالنسبة له تعني علم الكشف والإلهام، وتحتاج قراءة مؤلفاته إلى ثقافة واسعة، وغالباً مايخدع القراء أنفسهم بقولهم إنَّهم قادرون على فهم كلِّ شيء، لأنَّ إجادة اللغة العربية تكفي في فهم أي كاتب يمتلك ناصية اللغة ذاتها ويمكن أن يكون ابن عربي أكبر استثناء للزعم نفسه، فالثقافة تقتضي من القارئ أن يكون مسلحاً بثقافة موسوعية في التراث، إضافة إلى إلمام بالتاريخ.
الدكتور علاء الدين أوضح أنَّه لايكفي الإلمام بالفلسفة الإسلامية والغربية لفهم ابن عربي من دون ممارسة وتعمق، فأحد المستشرقين يطلق حكماً يفيد أنَّ أفضل كتاب تمَّ تأليفه حتى الآن كتاب هنري كوربان الخيال الخلاق باللغة الفرنسية، وما ذلك إلا لأنَّه هضم الفلسفة الغربية والعربية المكتوبة باللغتين العربية والفارسية، لافتاً إلى جدل بين المختصين حول ابن عربي وإمكانية إطلاق لقب “فيلسوف” عليه، بل إنَّ بعضهم يرى في ذلك إهانة للشيخ الأكبر حين نجعل منه فيلسوفاً، والواقع فإنَّ علينا البدء بتجديد كلمة “فيلسوف” قبل الدخول إلى صلب الموضوع، فلو اعتبرنا بأنَّ الفيلسوف من ينتج مذهباً جديداً معبِّراً عنه عقلياً، ويتسم بالتماسك المنطقي داخل نسق متكامل، كما الحال في فلسفات أرسطو وابن سينا وابن رشد وهيجل، فإنَّنا لا نستطيع التورُّط في عدِّ ابن عربي فيلسوفاً من الطراز نفسه. ومن خلال المعيار ذاته فكان الفيلسوف الكبير عبد الرحمن بدوي يرفض إدراج اسم ابن عربي في قائمة الفلاسفة، ويبدو أنَّه ليس وحيداً في مخالفته، بل إنّ أبا العلا عفيفي أيضاً لم يقبل ابن عربي ضمن دولة الفلاسفة.
كما انتقل رئيس مجلس الأمناء في مؤسسة ابن عربي إلى مفهوم الرحمة في فكر ابن عربي وأتباعه بأنَّها اتخذت جدالات جديدة عنده خاصة وزادته عمقاً وغنىً وتنوعاً، ولم يتابع البحث فيه إلا قلة قليلة من أتباعه، ويأتي على رأسهم الأمير عبد القادر الجزائري. ومن المعلوم أنَّ أهمَّ من تناول المفهوم نفسه بالتحليل قبل ابن عربي الحكيم الترمذي، كونه أورد عشر نظائر، أضافت إليها سعاد الحكيم نظيراً حادي عشر وتدرَّج التعبير عن تطور فهم الرحمة في تاريخ الفكر الإسلامي من النظرة البسيطة إلى المرحلة الأشد نضجاً لدى الترمذي.
ثم لفت إلى رحمة الاختصاص وتتضمن مذهب المعتزلة في الحسن والقبح والعقلاء الحقيقيين وأصحاب القلقة والجدل والكلام، منوِّهاً بأن كتاب الرحمة وكتاب المواقف للأمير عبد القادر الجزائري وبأنَّه نوع من أنواع الرحمة في فهم ابن عربي، والرحمة عن سبب الخلق والوجود ومفهومها في فكر ست عجم بنت النفيس البغدادية.