الثورة – همسة زغيب:
احتضنت المكتبة الوطنية اليوم محاضرة الباحث والمؤرخ التاريخي عماد الأرمشي بعنوان «حي القيمرية والآثار الباقية إلى اليوم»، وسط حضور واسع من المهتمين بتاريخ دمشق وثقافتها.
أخذ الأرمشي الحضور في جولة افتراضية عبر الأزقة والشوارع الضيقة للحي، مستعيداً الذكريات المخبأة في البيوت والأزقة والمعالم القديمة.
حي القيمرية وذاكرته
أكد الأرمشي أن حي القيمرية يمثل ذاكرة حيّة لدمشق القديمة، وأوضح أن سبب ندرة الآثار الأموية في المدينة يعود إلى دخول العباسيين إلى دمشق وانتقامهم الشرس من رموز الدولة الأموية، بما في ذلك إحراق المقابر ونبش القبور.
ولفت إلى أن المماليك والأيوبيين والعثمانيين تركوا بعض الآثار، مثل المساجد والمدارس.
البيوت الدمشقية عبق الأصالة
أشار الأرمشي إلى أن البيوت القديمة في القيمرية تحمل بين جدرانها تفاصيل الحياة اليومية للأجيال الماضية، ومنها الباحات الداخلية الهادئة والمضيئة، والمشربيات الخشبية التي تتحكم بالضوء وتمنح الخصوصية، والأبواب المنحوتة بعناية، والأسقف المزخرفة بأسلوب يمزج بين الطراز الأموي والبيزنطي الدمشقي.
وأضاف: إن كل التفاصيل تجسد حياة سكان الحي عبر القرون.
مسارات حياة يومية
” تبرز الأزقة الضيقة في القيمرية قصص السكان والمهن والتجارة، وكانت حلقة وصل بين الجامع الأموي والأسواق المحيطة”، وفقا لما أشار إليه الأرمشي وأن الحي كان مركزاً لتجمع العلماء والتجار والمتصوفة، وأصبح قلباً نابضاً بالأنشطة الاجتماعية والثقافية، إذ حمل كل زقاق اسمه ووظيفته وتاريخه الخاص.
الجامع الأموي وغيرها
تطرق الأرمشي إلى الجامع الأموي، وما شهده من أحداث تاريخية مهمة منها: تعرض لحريق كبير في 10 أكتوبر 1893 في الركن الجنوبي الشرقي، أدى إلى انهيار أجزاء من السقف والقبة وتدمير بعض الفسيفساء والزخارف الداخلية.
وتعرض المسجد عبر القرون لعدة حرائق وزلازل أدت إلى فقدان بعض رونقه وبهائه، مع حفاظه على عظمه البناء وروعة زخرفته.
وبعد الحريق، خضع الجامع لمرحلة ترميم طويلة استمرت نحو تسع سنوات، إذ أعيد بناء القبة والسقف بشكل يحافظ على الطراز الأموي مع لمسات من العمارة البيزنطية الدمشقية، بمشاركة مهندسين، مع الحفاظ على النفحات التاريخية من عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك.
كما سلط الأرمشي الضوء على زوايا ومدارس قديمة في الحي، مثل زاوية الشيخ صالح الدسوقي، إضافة إلى وجود قنوات مياه رومانية قديمة لا تزال، قائمة حتى اليوم، ما يعكس مهارة مهندسي الحي في العصور الماضية.
صمود الحي أمام التحولات
رغم التوسع العمراني والضغط التجاري، حافظ حي القيمرية على هويته التاريخية، وأوضح الأرمشي أن البيوت القديمة، الأزقة، والمجتمع المحلي مستمرون في حماية التراث، مؤكداً أن الحفاظ على الحي مسؤولية مشتركة بين المجتمع والمؤسسات، وأن كل زاوية فيه تحمل قصة لا تُعوّض.
أجواء المحاضرة والتفاعل
شهدت الأمسية عرضاً للصور التاريخية والمقارنات بين الماضي والحاضر، تفاعل الحضور مع الباحث وناقشوا طرق حماية التراث وإحياء الثقافة المحلية.
أضفى الحوار طابعاً حياً على المحاضرة وجعلها تجربة معرفية غنية لكل الحاضرين.
رسالة للدمشقيين
واختتم الباحث والمؤرخ عماد الأرمشي حديثه قائلاً: “الحفاظ على حيّ القيمرية هو ترميم و صيانة ووفاء لدمشق وذاكرتها، ضياع أي حجر من هذا الحي يعني ضياع فصل من تاريخنا، وعلينا جميعاً حماية هذه الأزقة والمعالم، لأن كل زاوية تحكي قصة لا تُعوّض”.
بهذه الكلمات، ترك الأرمشي الحضور مع شعور بالمسؤولية تجاه التراث الدمشقي، وحافز للمحافظة على حيّ القيمرية وأحياء دمشق القديمة.
