الدكتور ذوالفقار عبود:
“إسرائيل” خسرت الحرب في غزة، هذا باعتراف خبراء واستراتيجيين في الأمن القومي، فمكانتها الدولية اليوم أصبحت سيئة للغاية، وهناك تعاطف دولي وشعبي كبير جداً مع فلسطين، والرأي العام في دول عدة بات يدعم الحقوق الفلسطينية، وهناك أزمة ثقة جدية بين “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية. وباتت هناك مشكلة كبيرة للغرب الداعم لـ”إسرائيل”.
أما بالنسبة للمقاومة، فهناك إنجاز كبير يتمثل في مقاومة جيش الاحتلال الإسرائيلي والدعم الغربي من خلفه لمدة تزيد عن سبعة أشهر، دون تحقيق أي هدف حقيقي إسرائيلي من الحرب.
سياسيون يمينيون متطرفون في “إسرائيل” انتقدوا الرئيس الأميركي جو بايدن على خلفية تحذيره من أن إدارته قد تجمد إرسال المزيد من الأسلحة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي إذا ما شن هجومًا بريًا عسكريًا كبيرًا على مدينة رفح في أقصى جنوب غزة وعلى الحدود مع مصر.
من جانبه، نشر إيتامار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي والشخصية المتطرفة، رسالة سخرية من الولايات المتحدة الأميركية على وسائل التواصل الاجتماعي، أشار فيها، إلى أن المقاومة يجب أن تكون معجبة بالرئيس بايدن لتهديده بحجب الأسلحة عن “إسرائيل”.
أما عضو الكنيست الإسرائيلي دان إيلوز، وهو نائب عن حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فقال إن تصرف الرئيس الأميركي لا يعرض “إسرائيل” للخطر فحسب، بل يعرض العالم الحر بأكمله للخطر على حد تعبيره.
وفي المقابل، ظهر رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي يُعد أكثر اعتدالاً كما يزعمون في “إسرائيل”، وهو ليس عضوًا في حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية اليمينية المتطرفة، ظهر وهو ينتقد زملاءه الأكثر تطرفًا يوم الخميس الماضي، في حديثه بمناسبة انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أشاد هرتسوغ بالولايات المتحدة الأميركية أكبر حليف لـ “إسرائيل”، وشكر الرئيس بايدن بالاسم على دعمه منذ اليوم الأول للحرب، على حد تعبيره.
كما قال هرتسوغ أنه حتى عندما تكون هناك خلافات ولحظات خيبة أمل بين الأصدقاء والحلفاء، هناك طريقة لتوضيح الخلافات، ومن الواجب تجنب التصريحات والتغريدات التي لا أساس لها من الصحة وغير المسؤولة والمهينة والتي تضر بالأمن القومي ومصالح الدولة، في إشارة منه إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قال في حديثه يوم الأربعاء الماضي لشبكة CNN الأميركية، إنه سيكون من الخطأ إذا تم استخدام الأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة الأميركية لـ “إسرائيل” في هجمات قد تؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين في هجوم بري واسع النطاق على رفح. وقال إنه إذا مضت “إسرائيل” قُدُماً في مثل هذه العملية، فإن الولايات المتحدة لن تقوم بتزويدها بالأسلحة وقذائف المدفعية المستخدمة لها.
وأكد مسؤولون أميركيون أن إدارة الرئيس بايدن أوقفت مؤقتاً شحنة أسلحة إلى “إسرائيل” الأسبوع الماضي مكونة من 1800 قنبلة بزنة طن واحد، و1700 قنبلة بزنة 500 رطل، بسبب ما أسموه القلق من قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإسقاطها على رفح، علماً بأن جنوب قطاع غزة يعد واحداً من أكثر الأماكن المأهولة بالسكان على مستوى العالم، حيث لجأ نحو 1.4 مليون فلسطيني إلى هناك من جميع أنحاء المنطقة التي دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
وقد أمر جيش الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين في الجزء الشرقي من المدينة بالمغادرة هذا الأسبوع، ما أدى إلى نزوح جماعي يائس للآلاف، العديد منهم كانوا قد اضطروا إلى الفرار من مواقع أخرى عدة مرات بسبب القصف الإسرائيلي.
وقد توغلت دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على جانب غزة من معبر رفح الحدودي الحيوي مع مصر يوم الثلاثاء الماضي، بعد وقت قصير من صدور أمر الإخلاء، وزعم المسؤولون الإسرائيليون إن جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ عملية دقيقة لمكافحة الإرهاب للقضاء على المقاومة والبنية التحتية في القطاع، في الوقت الذي قال فيه بايدن: “إنهم لن يحصلوا على دعمنا إذا ذهبوا بالفعل إلى هذه المراكز السكانية”. “نحن لا نبتعد عن أمن “إسرائيل”، بل نبتعد عن قدرة “إسرائيل” على شن حرب في تلك المناطق.”
وقد شدد الرئيس بايدن على أن الولايات المتحدة ستواصل التأكد من أمن “إسرائيل” فيما يتعلق بالقبة الحديدية وقدرتها على الرد على الهجمات التي صدرت من الشرق الأوسط مؤخرًا.
وفي تحد للضغوط الأميركية، قال نتنياهو أنه إذا “أُجبرت “إسرائيل” على الوقوف بمفردها، فإنها ستقف بمفردها”. وقد تعهد بالمضي قدماً في عملية رفح، ما سوف يؤزم العلاقات – المتأزمة أصلاً- بين الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها “إسرائيل”.
* أستاذ في جامعة تشرين.