إخفاقات الحداثة العربية في ميزان النقد

الثورة _ ديب علي حسن:
يشغل الواقع العربي المفكرين والمنظرين العرب من حيث السؤال الملح : لماذا حقق الغرب حداثته ونحن لم نستطع تجاوز عتبات أحلام الماضي .
بل يمكننا القول بكل ثقة : إننا نعيش على هامش روايات ما كان ..نستشهد بعظمة هذا أو ذاك ونقول كان أجدادنا فعلوا وأنجزوا دون أن نعمل ليومنا أوغدنا.
وربما لا يصبح المفكر لدينا ذا قيمة إلا بعد أن يرحل ولهذا يصح قول أحدهم :إننا أمة يحكمها الراحلون .
هذه الحال شغلت المفكرين العرب الذين مثل الجابري وعلي حرب وعبد الإله بلقزيز وغيرهم .

الدكتور غسان بديع السيد يدلي بما يراه في حال الأمة العربية التي تعطل لديها العقل الحداثي لأنها مازالت تعيش الماضي ولا تخرج منه .
وقبل السيد كان عبد الإله بلقزيز قد خلص إلى الحديث عن انتكاسة المشروع العربي النهضوي إذ طرح مخرجاً للانتكاسة التي تعرض لها المشروع العربي( فقد قدم دعوة إلى تبني فكرة العلمانية على المثال الغربي، بالإضافة إلى تخليهم عن أوهام الدولة العثمانية مقابل إيجاد حاضنة عربية تستوعب المفاهيم والأنشطة والآراء الفكرية المختلفة، وبالتالي وصف الكاتب العقلانية النقدية العربية المعاصرة بالتركيبية بدليل أنها استوعبت العقلين الحداثي والإسلامي .وقد تأثر بابن رشد والغزالي وابن خلدون وابن تيمية وابن القيم وسيد قطب وغيرهم من أصحاب العقلانية الإصلاحية، وهذا ما تمسك به الكاتب في تقديم مساهمة رائدة في الانفتاح على الثقافات الكونية والدفاع عن التقدّم وعن الدولة الوطنية الحديثة، وفي مقارعة الاستبداد والدعوة إلى الحرية والعدالة الدستورية والسياسية والارتقاء بالعقل الإنساني من خلال التربية ) .
وبالعودة إلى الدكتور غسان السيد وكتابه الصادر حديثاً عن الهيئة العامة للكتاب سلسلة آفاق ثقافية بعد انقطاع طويل للسلسلة وحمل عنواناً لافتاً ( القطيعة المعرفية والحداثة بين العقل العربي والعقل الغربي ) .
وبغض النظر عن الإشكالية في عنوان : كيف تكون القطيعة معرفية وكيف تكون الحداثة فإن الباحث يناقش الموقف من التراث الذي يحتل عقولنا ويسلبها ،ولا يدع لنا فرصة للحياة يقول في المقدمة :(ان الموقف من التراث هو الشغل الشاغل للمفكرين العرب وغيرهم من المسلمين وهم ينقسمون بين داع إلى التمسك بهذا التراث والبناء عليه من أجل التقدّم في حين أن آخرين يطالبون بأخذ النموذج الغربي وتطبيقه في عالمنا العربي بوصفه السبيل الوحيد للخروج من الأزمة دون الانتباه إلى ضرورة أخذ الواقع المعقد في المجتمعات العربية في الحسبان. ويدعو طرف ثالث إلى التجديد من داخل التراث دون أن يحدد الطريقة وما هو التراث الذي يجب التجديد من داخله مثلما يفعل المفكرالمغربي محمد عابد الجابري.
ويضيف :أردنا في بداية هذه الدراسة أن نظهر التجربة الغربية في إطلاق الحداثة. استطاع العقل الغربي إطلاق حداثته بالاعتماد على عوامل ذاتية بعد أن قام بقطيعته الكبرى مع الماضي الذي يتمحورأساساً حول الفكر الديني. كانت القطيعة مع هذا الفكرالديني الغيبي أساس الحداثة الغربية التي قامت على عناصر ثلاثة :(تقديس العقل -كرامة الانسان-نسبية الأشياء). وكانت عدّة العقل الغربي في هذه الحداثة العلم والثروة والتقنية. انتهى عصر الحقائق المطلقة سواء جاءت من السماء أم من الأرض وأصبحت القوانين الأرضية التي يضعها البشرهي الأساس في التعامل بينهم بعد أن كان القانون الكنسي مفروضاً على الجميع (لقد أطاحت الحداثة بوحدة عالم خلقته الإرادة الإلهية أو العقل أو التاريخ وحلّت محله العقلنة وتحقيق الذات).
وبعد أن أنجزت الحداثة مهمتها في تطوير المجتمعات الغربية ووصلت إلى نهايتها قام العقل الغربي بالانقلاب على مفهومات الحداثة للاعتقاد بأن العقل الذي قدسته الحداثة نصبته مكان الإرادة الإلهية وأصبح متعالياً على النقد. وهذه ميزة العقل الغربي الذي لم يتوقف عن التحرك بحيوية إلى الأمام متنقلاً من مرحلة إلى مرحلة أخرى يراها أكثر تطوراً. وهذا العقل الذي ينجزهو نفسه الذي ينتقد ما أنجزه ليمهد للانتقال إلى مرحلة أخرى بعد أن يصحح مساره هذه القدرة على النقد الذاتي وعدم الوقوف عندما ينجزهوالذي ضمن للعقل الغربي الاستمرار في التطور حتى في اللحظات التي يبدو فيها أنه سيتوقف. إن تحرره من قيود الفكر الديني فتح الآفاق أمامه وقوّض القيود كلها التي تعيق حركته.
انتقل هذا العقل من الحداثة إلى ما بعد الحداثة وخلخل اليقينيات كلها والأسس التي قامت عليها وفضح المسكوت عنه وقوض السرديات الكبرى التي تحكمت بالفكرالغربي وأصبح الواقع دون نقاط ارتكاز ثابتة.).
خلخلة اليقينات الكبرى ضرورة من أجل التقدّم والتطور وتجاوزما كان وهذا ما فعله الغرب وعلى العقل العربي أن يفعل ذلك ..ولكن كيف علينا أن نطرح السؤال : كيف يخلخل ذلك اذا اتخذ القطيعة المعرفية ..أليس عليه أن يشرح هذا التراث ويرى نقاط قوته وضعفه كما فعل الجابري ..؟
الكتاب طرح فكري مهم وجريء صحيح انه كان في الكثير مما جاء فيه حاداً ولكن ربما كانت الضرورة تقتضي الجرأة. هذه خلاصة
يرى المؤلف أن على الدول العربية والإسلامية أن تؤسس مراكز بحوث تضم إليها الكفاءات المناسبة للعمل ضمن خطّة واضحة قابلة للتنفيذ وتعالج جوانب التخلف كلها .
الدولة بمؤسساتها المختلفة تنخرط في هذه العملية لأن الأمر يتطلب إصلاحاً شاملاً للتعليم في المستويات المختلفة …
ويرى أن المجتمع العربي ربما كان قابلاً في بداية القرن العشرين لاستيعاب أفكار الحداثة والتطورأكثر مما هي عليه الحال في بداية القرن الواحد والعشرين.
ولا يمكن للعقل العربي أن ينجز حداثته وهو مشدود إلى الماضي وتجربة مئات القرون تثبت ذلك .
بقي أن نشير إلى أن الدكتور غسان السيد مترجم سوري وأستاذ النقد الأدبي الحديث والأدب المقارن في جامعة دمشق وله إسهامات مهمة في الترجمة وقدّم للمكتبة العربية عشرات الكتب المؤلفة والمترجمة.
نذكر منها : ما الأدب المقارن .
ما الجنس الأدبي.
الأدب المقارن العام .
علم نفس الطفل .
من البنيوية إلى الشعرية .
أزمة منتصف الحياة.

آخر الأخبار
مناقشة تعزيز الاستقرار وسيادة القانون بدرعا  "الأوقاف" تعيد "كندي دمشق"إلى المؤسسة العامة للسينما  سوريا و"الإيسيسكو" تبحثان التعاون العلمي وحماية التراث الثقافي في سوريا  الاقتصاد تسمح باستمرار استيراد الجلديات وفق شروط "فسحة أمل" بدرعا ترسم البسمة على وجوه الأطفال المهجرين   عشائر عرب السويداء:  نحن أصحاب الأرض و مكون أساسي في السويداء ولنا الحق بأي قرار يخص المحافظة  المبيدات الزراعية.. مخاطرها محتملة فهل تزول آثارها من الأغذية عند غسلها؟ "العقاري" على خُطا "التجاري" سباق في أسعار السلع مع استمرار تصاعد سعر الصرف "الموازي" النباتات العطرية .. بين متطلبات الازدهار وحاجة التسويق 566 طن حليب إنتاج مبقرة فديو باللاذقية.. والإنتاج بأعلى مستوياته أولمبي كرتنا يواصل تحضيراته بمعسكر خارجي ومواجهات ودية حل فعال للحد من مضاربات الصرافة.. مصرفي : ضبط السوق بتجسير الهوة بين السعرين رسمياً المواس باقٍ مع الشرطة الرئيس الشرع يستقبل البطريرك يازجي .. تأكيد على ترسيخ أواصر المواطنة والتآخي شركات التأمين .. الكفاءة المفقودة  ! سامر العش لـ"الثورة": نحن أمام فرصة تاريخية لتفعيل حقيقي  للقطا... "ممر زنغزور".. وإعادة  رسم الخرائط في القوقاز الإنتاج الزراعي .. مشكلات "بالجملة " تبحث عن حلول  وتدخلات الحكومة خجولة ! أكرم عفيف لـ"الثورة": يحت... قبل خسارة صناعتنا.. كيف نستعيد أسواقنا التصديرية؟ رئيس الوزراء اللبناني يؤكد ضرورة بناء علاقة سوية مع سوريا