هي ظاهرة جديرة بالتوقف عندها قليلاً، أن يتحول بعض رجال الأعمال إلى منظرين في الاقتصاد – كل الاقتصاد – وليس مجرد مجال عملهم أو استثماراتهم، فصانع الجوارب بات خبيراً في السياسة النقدية، و صاحب ورشة البسكويت ينظر في اقتصاد المعرفة، وتجار “الشنطة” من حملة الشهادة الإعدادية كادوا يتحولون إلى مراجع في أصول العلاقات الدولية، وسلسلة من المفارقات في ميدان فوضى عوم وتعويم مريبة تمارس على متن منصات الميديا الجديدة.
لم نسمع أو نعاين حالات في أي بلد تقارب أو تشابه مايجري اليوم في قطاع الأعمال السوري، فعلى سبيل المثال لم نسمع أن “جاك ما” رجل الأعمال الصيني – العالمي صاحب شركة علي بابا قد تدخل يوماً بقرارات الحكومة الصينية، بل غالباً يتحدث عن تجاربه الشخصية والنجاحات التي حققها بمهارات استثنائية ذاتية، ومثله بيل غيتس وسلسلة أثرياء هذا العالم، على الرغم من أحقية هؤلاء الكبار بالتنظير وإسداء النصح لحكومات بلدان كبرى، إلا أنهم تركوا هذه المهمة لمراكز أبحاث ودوائر قرار متخصصة.
رجل الأعمال لا يمكن أن يكون منظرا اقتصاديا ليس لأنه فاقد الخبرة، بل لأنه لا يستطيع الخروج- ولا يجوز أن يخرج – من عباءة المصالح الشخصية الذاتية، لذا ينكفئ غالباً للعناية بأعماله وأمواله دون إضاعة الوقت بالردح والتنظير على وسائل التواصل، والمفترض ألا يكون لديه الوقت لذلك لأنه باختصار….مشغول.
كم هو جميل أن يخصص صانع البسكويت والشوكولا صفحة أو صفحات لتسويق منتجه، والحديث عن الفوائد الطبيعية لما ينتج، وكذلك صانع الكونسروة أو أي مادة غذائية..وبالفعل نحن بحاجة للثقافة الاستهلاكية والغذائية، ونظريات المجربين ممن أيديهم في الطبخة تبدو مفيدة من جهة ومسلية وغير منفرة من جهة ثانية، فلماذا يترك هؤلاء كارهم ويتورطون بالانضمام إلى جوقة من “يعرفون بما لايعرفون”..؟
على فكرة ثبت بالتجربة هنا وفي الخارج أن قليل الكلام هو أقل الخاسرين دوماً، لأن الصمت من ذهب إذا كان الكلام من فضة..فما بالنا عندما يكون كلام بعضهم من تنك؟
بالتأكيد حالة فوضى التنظير التي نتابعها اليوم ببلدنا، ليست حالة سليمة، وإن سلمنا بأن لدى بعضهم ملكات استثنائية وأفكارا من خارج الصندوق، فهم خبراء بالقنوات الأقصر لإيصالها..
نهى علي