الثورة – رشا سلوم:
لم تكن الترجمة إلى العربية تهتم كثيرا بالفلسفة النورانية التي تسود الثقافات الشرقية ولاسيما في الصين واليابان.. ولكنها الآن تفعل ذلك في خطوة جيدة.. ربما تأخرت قليلاً لكنها بدأت منذ عقد من الزمن.
نقف اليوم عند كتاب مهم من التراث الياباني.. صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق ترجمه إلى العربية محمد دنيا.. والكتاب تحت عنوان: “من حكايات الزن اليابانية”.
يقدم المترجم تعريفاً بالزن وفلسفته الروحية.. الزن هو زازن (حيث زا تعني جالساً أو جلوساً وزن التي تعني التأمل باللغة اليابانية) ممارسة الزن درب تيقظ ومعرفة للذات تزاول في الوقت نفسه في وضعية الجلوس وضمن سلوكيات الحياة اليومية كلها، إنها خبرة حياة الواقع في كل لحظة اللحظة الراهنة الأبدية هنا والآن.
ممارسة الزازن التأمل جلوساً هي ممارسة اليقظة الاستنارة التي تغدو منبع أفعال الحياة اليومية كلها :التنفس والمشي والنوم والأكل والعمل والعيش في تناغم مع الآخرين مع المحيط الطبيعي.
ليست بوذية الزن نظرية ولا تمارين خفة ذهنية ولا معرفة على نحو اقل أيضاً, كما أنها ليست اعتقادا ولا عقيدة ولا دينا بل خبرة عملية، يستحيل إدراك الزن عقليا فالذكاء البشري ليس بلا حدود.
ليس الزن كذلك تعليماً أخلاقياً، وإذ كان خلوا من العقيدة فإنه لا يقتضي من ممارسة الإيمان بأي شيء كان، إن على الدرب الروحي الحقيقي أن لا يقول للناس بماذا يؤمنون ويعتقدون، بل بالأحرى أن يبين لهم كيف يفكرون أو كيف ينطلقون إلى ما بعد العقلي كما هو الحال لدى الزن.
لا يهتم الزن بنظريات ميتافيزيقية ولا بطقوس إنما يكرس نفسه كليا لممارسة الزازن.. الزن بسيط للغاية بسيط في الواقع إلى درجة تعذر فهمه.
تقليدياً لا يدرسون في اليابان الفن من أجل الفن وحسب بل أساساً لغايات روحية، وحين يمارسون الفن بدقة وتأن ومبادئ الزن في وجدانهم يغدو الفن أداة تغيير العقل البشري، ويشدد تعليم الزن عبر الفنون على وحدة العقل والجسد وذلك شان جوهري للتمكن من الفنون كلها عند ممارسة الفن في حالة من الصفاء والتجرد وعدم الانشغال بما هو غيره يخلد الذهن إلى اللحظة الراهنة واعيا بكليته طبيعة الحياة المادية الوهمية.
وإذا كان زن اليابان قد جاءها من الصين فإن حسه الجمالي ولباقته متمايزان جداً عن الإدراك الصيني للجمال، فلسفة الجمال معاني الجمال في الزن فريدة وتتسم بالتقدير العظيم للاعتدال واللا تناظر والبساطة وعدم الكمال والطبيعي ويطلقون على مفهوم نزعة الزن الجمالية هذه اسم وابي_سابي الذي يلمس الجمال في الأشياء غير التامة غير المكتملة الإبرة والمتحولة. يتجلى الوابي _سابي في الفن أعمالاً متواضعة بسيطة أرضية روح الوابي_سابي أصلية لا ادعاء فيها عميقة الارتباط بحب الطبيعة.
كانت هذه القيم بساطة الطبيعة ونزعة السكون والجمال المرهف المقترنة بالوابي_سابي ينبوع إلهام الفنانين اليابانيين على مدى قرون، واستمر أندادهم المعاصرون يستوحون منها حتى اليوم.
وللثقافة اليابانية علاقة عميقة التناغم مع الطبيعة علاقة حب وتقدير هي من صميم قيم الشنتوية، الديانة الأقدم في اليابان التي زادتها بوذية الزن عمق ومعاني، فالزن يحترم الطبيعة جداً، ويراها مقدسة ولا يسعى إلى أن يسودها ويتحكم بها، بل إلى عقد رباط روحي عميق معها الرباط الذي يمكن أن نلحظه في مختلف أشكال الفن الياباني، ولاسيما ترتيب حدائق الزن حيث يرى اليابانيون أن على الإنسان التمتع بعلاقة انسجام مع الطبيعة كي تقوى قيم الزن على التفتح والازدهار وأن نتناغم مع الطبيعة فذاك يعني في نهاية الأمر أننا نعيش وإياها معاً كلاً واحداً برضا واحترام لقوة الآخر وقدرته الطبيعة والإنسان.