انطلاق مهرجان المسرح الجامعي بدورته الثامنة والعشرين.. الجباعي: علامة بارزة ومضيئة في المشهد الثقافي السوري
الثورة- رنا بدري سلوم :
خمسة وخمسون عاماً على ولادة المسرح الجامعي في دمشق، مسرح يحتضن المواهب الشابّة، شغفهم طريقة تفكيرهم، همومهم ومشكلاتهم، آراؤهم وأحلامهم، ورؤيتهم للظروف المحيطة بهم، مسرح يتّسعهم كأب، يطلق العنان لهم دون قيد أو شرط، يعيش حيويّتهم ومواكبتهم للحياة وديمومتها بأدواتها وسرعة تقنياتها وعوالمها الرقميّة أيضاً.
وأن يحافظ المسرح الجامعي على أبنائه الموهوبين الذين يتعلمون ألف باء المسرح فذاك يعني أن الخطط المدروسة تنظم وتؤطّر الفعاليّات المسرحيّة والفنيّة بوعي وإدراك ملتزمين، فلكل مرحلة زمنيّة متخصصيها في الشّأن المسرحيّ والثقافيّ والتعليميّ والمؤسساتيّ، وهو ما يجعلنا اليوم نرفع لهم القبعة في الحفاظ على مستوى تقديم العمل المسرحي الجامعي والثقافي بشكل عام في ظل الظروف التي تعرضت لها سورية على مدى سنواتٍ من عمليّات إرهابيّة وقتل وتخريب وتدمير، ورغم ذلك لم تستكن حيويّة المسرح الجامعي ولم تقبع في بوتقة الظروف والعجز بل اجتازت كلّ الصعاب واكتسبت الجوائز في المحافل الدوليّة ورفعت علم الجمهوريّة العربيّة السوريّة عالياً، ومن خلال حديثنا مع المخرجين ومعدّي النصوص ومؤلفيها المشاركين في برنامج المهرجان نلمس هذا الاندفاع والتفاني والإخلاص في تقديم الأفضل للتميّز في الساحة المسرحيّة منتظرين أن يعودوا برجع صدى مؤثّر من قبل الجمهور، وكأنّهم يقولون لنا ولكل من يحضر مسرحيّاتهم: هكذا اعتدنا نحن السورييّن على أن نثبت جدارتنا وتميّزنا أينما كنّا وفي كل المجالات فكيف إذا كنا نعبّر عما ننتمي إليه إلى أقدم وأعرق جامعة عرفها الوطن العربي ..جامعة دمشق!.
شغف العمل المسرحيّ
كخلية النحل، يعملون مخرجين وكتّاباً وممثلين وفنييّن ولجان تنظيميّة، يستعدون لانطلاق مهرجان المسرح الجامعي بدورته الثامنة والعشرين، الذي افتتح يوم أمس برنامجه على مسرح القبّاني والحمراء بدمشق، ويستمر حتى نهاية الأسبوع، بتقديم عرضين مسرحيين يوميّاً.
وعن التحضيرات للمهرجان الذي يرعاه الاتحاد الوطني لطلبة سورية يبين عضو المكتب التنفيذي للاتحاد ورئيس مكتب النشاطات الفنيّة والثقافيّة الأستاذ عمر الجباعي لصحيفة «الثورة» أنّ مهرجان المسرح الجامعي يعتبر تظاهرة سنويّة ينتظرها الطّلاب بشغف، ليس طلاب دمشق وحسب بل طلاب جامعات تشرين البعث، حلب، طرطوس والسويّداء، درعا، حماة، والحسكة، وهي تظاهرة مستمرة منذ القرن الماضي، يخضع الطلاب الموهوبون إلى التدّريب كإعداد ممثل أو مخرج وفي أي مجال فنّي ثقافي يرغب به، وهي مهمّة الوحدات الطلابيّة في الاتحاد الوطني لطلبة سورية، الذي يكتشف المواهب ويدعمها، ويقدم لها كل ما يلزم، ويشير الجباعي إلى أن العديد من الممثلين الذين أصبحوا نجوماً على مستوى الوطن العربي كانت انطلاقتهم الأولى من المسرح الجّامعي، فالمسرح الجامعي هو العلامة البارزة والمضيئة في المشهد الثقافي السّوري.
رسائلٌ حيويّة
«يحمل المسرح الجامعي راية المسرح كله بالتزامه ورسالته بطريقة حيويّة ومثقّفة يقوم بأداء أدواره الطّالب المثقّف الذي يعرف ماذا يريد وكيف يفكّر وينظر للأمور بطريقة حضاريّة تواكب التطوّرات السريعة والمتغيرات لأنه ابن بيئته بتقنياتها الرقميّة الحديثة والسريعة والتفاعلية المتغيرة» وفقاً للجباعي قائلاً : نحن بدورنا نترك للطالب الجامعي المساحة الكافية ليتألق ويتقن أدواته ضمن الإمكانيات المتاحة، وعن النصوص المسرحيّة التي سيعرضها المهرجان يشير إلى أن هناك لجنة نقديّة متخصّصة تقييم الأعمال لتختار الأفضل ضمن المعايير الموضوعة والمستوى المناسب من قبل اللجنة المؤلّفة من ثلاثة نقّاد والتي اختارت اثني عشر عرضاً مسرحيّاً سيعرضها المهرجان على مدار الأسبوع، إضافة إلى جوائز أساسيّة لأفضل إخراج وأفضل سيناريو وأفضل ممثلين من قبل لجنة تحكيم باختيار أفضل أربعة ممثلين، وعن اللجنة فهي من خيرة المتابعين للشأن المسرحي وهم مدير المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور تامر العربيد الدكتورة ندى العبد الله الفنان تيسير إدريس والفنانة فيلدا سمّور والفنان كفاح الخوص.
وعن مهمّة اللجنة النقديّة هي نقد موسّع ومتخصص لما يعرضه الطلاب في مسرحيّاتهم، وتتألف «لجنة مناقشة العروض» من المخرج المسرحي الأستاذ اسماعيل خلف والفنانة أميّة ملص والناقد جوان جان ومن مهامها تقييم الأعمال المعروضة بطريقة موضوعيّة ومهنيّة متخصّصة.
حصاد الجوائز الدوليّة
يوضح عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الوطني لطلبة سورية عمر الجباعي أن المسرح الجامعي يشارك في المحافل الدوليّة، وقد حصد ثلاث جوائز في مهرجان حسين أبو زيان في تونس، وقبل عام حصد سبع جوائز من أصل أربع عشرة جائزة، وهو ما يدل على قوة وحضور المسرح الجامعي السوري، رغم الظروف التي تعرّضت لها سورية من الإرهاب وما نعيشه اليوم من الحصار والعقوبات الاقتصادية والظروف الخانقة التي أثّرت بشكل أو بآخر على العمل المسرحي الذي يحتاج إلى ظروف مناسبة وبيئة حاضنة تمتلك أدوات المسرح الجيد من ديكور وبنية ومقومات تنهض بالحركة المسرحيّة ورغم كل هذه الظروف بقي وسيبقى المسرح الجامعي مستمراً لأنه موروث ثقافي للأجيال القادمة.
على خشبتيّ القباني والحمراء
وعن مضمون المسرحيّات الاثنتي عشرة المقدمة خلال مهرجان المسرح الجامعي بين الجباعي أنها عروض ترضي وتستقطب الذوق العام فيما تعرضه النصوص من مشكلات إنسانيّة واجتماعيّة وعاطفيّة ووطنيّة وقوميّة، وهو ما يميز المسرح الجامعي في حيوية أفكاره وعدم قرصنتها وترك الأفق لها في التعبير عن ذاتها وكيانها، ومن هنا حملنا على عاتقنا مسؤولية أن نحمل رسالة المسرح في أي وقت وبكل الظروف.