“العبارة الفارقة”

للأدب أدواته الذكية التي تجعل منه فضاءً متفرداً يتخذ من اللغة وسيلة للتعبير عن الأفكار، والمشاعر، والتجارب الحياتية، ولتجسيد رؤية الكاتب الفنية، وإبراز قدرته الإبداعية. وإحدى تلك الأدوات الذكية هي الصورة البصرية، والأديب الماهر قادر على أن يشكلها ببراعة العبارة، وكمن ينشيء جسراً يربط به بين ضفتين الأولى حيث يقف هو مشهراً قلمه، والثانية حيث قارئ يقلّب صفحات كتاب.

أما الحوار فهو الذي يكشف حقيقة الشخصيات، ويوفر نافذة للتعرف على موقع كل منها في هيكل الرواية، أو مسار القصة إلى جانب السرد الذكي الذي ينقل المشاعر، والأفكار بدقة وجمالية، ويقوم برصف الأحداث حسب تسلسلها الزمني، وتوزيع المعلومات بلمحاتٍ، وتوقعاتٍ تثير فضول القارئ ليبقى مشدوهاً، ومتحمساً لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك.. هذا ويستخدم الأدباء أساليب سردية متنوعة للتشويق منها السخرية، ومنها الانتقال المفاجئ بين الأحداث بما يضمن تأثيراً درامياً، وتشويقياً في القصة بآنٍ معاً.

ويبقى الرمز أداةً فعالة في الأدب لإيصال رسائله العميقة متعددة الأبعاد، كما الوردة ترمز إلى الحب أو الحرية، وكما العاصفة إلى الصراع الداخلي، أو التحول، فاستخدام الرمز يعزز توهج النص إذ يسمح للكاتب بإضفاء طابع خاص، وفلسفي على أعماله، ما يعزز تأثيره، ويمنحه بعداً أكبر، ويخلق تأثيراً لغوياً قوياً وجذاباً، يترك أثراً عميقاً في ذهن القارئ.

إلا أن الأدب الذي يحيط بمهارة بكل ماسبق ليكون تجربة فريدة ممتعة تسهم في إثراء الثقافة البشرية، وتوسيع آفاق المعرفة، والتفكير، وإثارة المشاعر، والتأثير في القارئ، لا يفوته أن يحيط أيضاً بأكثر أدواته ذكاءً وهي تكثيف العبارة، وانتقاء مفردات اللغة بعناية كما الجواهر لتسقط في مكانها المحدد لها في العقد الثمين.. إن الكاتب الذي يمتلك القدرة على التعبير بشكل مكثف، وموجز يمنح عمله الأدبي طاقة خاصة عندما يركز على المعنى، والرمز، والتفاصيل الأساسية دون الاستعانة بتعبير زائف، أو حشو فارغ لا يُضيف، ولا يُنقص.

في القصة، والرواية يظهر تكثيف العبارة بشكل واضح في تقديم الشخصيات، والأحداث. فعندما تكون مساحة التعبير محدودةً يكون على الكاتب الأديب أن يختصر الأفكار، والمشاعر بأقصر العبارات، وأقواها سواء استخدم الصور، أم المجاز، أم الرمز، أم لم يفعل.. ما يجعل كل كلمة تحمل وزناً كبيراً، وهذا يعطي للنص الأدبي قوة، وجاذبية تجعله لا يُنسى.. فمجموعة مختارة من الكلمات كافية لوصف العتمة، والصمت، والانعزال، ونقل الجو المشحون بالتوتر، والانتظار إلى القارئ.. كما أن كلمات قليلة يمكن لها أن تشير إلى ملامح الشخصية ليتعرف القارئ إلى جوهرها.

في الغرب، وقد تطورت عملية النشر، تعتمد الدور على المحرر الأدبي الذي وجد له وظيفة حيوية لديها لا يمكن الاستغناء عنها حتى مع توفر الذكاء الصناعي القادر على ضبط النصوص. وهي حرفة لها اختصاصها، فوظيفة المحرر الإيجابية سواء أكانت بالتعاون مع المؤلف أم من دونه لا تقتصر على التدقيق، وتصحيح الأخطاء من لغوية، أو مطبعية، وإنما تتجاوزها إلى الأسلوب وبناء الجملة، ولبث الروح في النص ما لم تكن حاضرةً فيه. صحيح أنها عملية معقدة إلا أن لها دورها الحيوي في تحسين البناء، وجعله أكثر تفوقاً عما كان عليه، فالتكثيف في المعنى والدقة في تحديده أمران لا يخفى سرهما على المحرر الذي يشتغل عليهما لما لهما من تأثير على النص من جهة، وعلى القارئ بما يرضيه، ويمتعه من جهة أخرى.

وسواء أقام المؤلف أم المحرر بتكثيف العبارة، وشحنها بالمعنى الذي يترك انطباعاً قوياً، ويعطي إيقاعاً شائقاً، ويخلق توتراً درامياً يحافظ على انتباه القارئ ويحمله إلى النهاية فإنه الفوز بحق لمن امتلك ناصية النص.

* * *

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى