ثورة أون لاين:
يحاول الدكتور عفيف بهنسي من خلال كتابه التراث الأثري السوري أن يلقي الضوء على الأهمية الجغرافية والتاريخية والاستراتيجية لسورية التي تعتبر من أقدم مناطق العالم حضارة وتحمل بعدا سياسيا دوليا واسعا لا يقاس بحجمها.
ويبين بهنسي أن هذه الأهمية الإستراتيجية لموقع سورية جعلها مليئة بالمدن العامرة والحواضر التي لعبت دورا حضاريا كبيرا منذ العصور التاريخية القديمة حيث كشفت الحفريات الأثرية في أحواض الفرات والخابور والعاصي وحول المدن الكبرى وفي الساحل والجنوب عن حواضر قديمة حددت بدايات التاريخ والحضارة على هذه الأرض.
ويشير بهنسي إلى أن أقدم تسمية أطلقت على هذه المنطقة هي بلاد عمور ثم ظهرت تسمية “إسورا عربيا” في العهد الفارسي وتحرف اسم إسورا إلى سورية وكان الإغريق أول من استعمل هذه التسمية التي وردت على لسان هيرودوت المؤرخ.
وفي الفصل الأول الذي حمل عنوان التراث السوري وعلم الآثار تحدث بهنسي عن مراحل الأبحاث الأثرية في سورية مشيرا إلى أنها قسمت إلى ثلاثة مراحل المرحلة الممتدة حتى نهاية الحرب العالمية الاولى التي نقل الرحالة خلالها اخبارا عن خرائب ظاهرة على سطح الارض ومدن حديثة وقرى وعادات العرب ولم يقوموا بأبحاث ميدانية.
أما المرحلة الثانية فبدأت من حفيرة كركميش الواقعة على خط حدود سورية الشمالية مباشرة والتي قام الباحثون الإنكليز بالتنقيب فيها وقدمت المعارف الأولى عن نظام الدولة الآرامي في الألف الأول قبل الميلاد ثم مرحلة التنقيب المنهجي في حوض الفرات السوري وروافده وهو العمل الذي لا يزال حتى اليوم يثبت جدارته في مناطق جزئية كثيرة.
ولفت بهنسي إلى أن المرحلة الأخيرة من الأعمال الاثرية كانت من خلال ما انشأته المديرية العامة للاثار والمتاحف التي أعدت جيلا من العلماء السوريين للقيام بحفريات خاصة بالتعاون مع الأجانب لالقاء المزيد من الاضواء الكشافة على تاريخ البلاد.
كما تحدث عن تراث سورية خلال العصور الحجرية مشيرا إلى أن خصائص هذا العصر القديم اصبحت تعرف من مكتشفات أنهار الكبير الشمالي والفرات والعاصي والليطاني والعصر الحجري الحديث في تل اسود وتل الرماد والفريفة وتل الخزامي قرب دمشق وبقرص والدوارة والكروم.
وتوقف بهنسي عند المكتشفات الأثرية في عهد الأسرات في مناطق تل البراك الذي عثر فيه على مئات من التماثيل والاف من الكسر الحجرية والرخامية تمثل أشخاصا لم يعرض منها إلا الكتفان والرقبة والعينان البارزتان جدا ما يدل على سحر الاصابة بالعين “الحسد” فهي اذن تمائم لتحمي من الشر والعدو.
ويشير الباحث إلى تل حبوبة كبيرة الذي عثر فيه على كثير من اللقى منها أختام لربطات اكياس مختومة على الطين تمثل اسودا وطيورا وثعابين وعقارب لطرد الشر والأذى والعدوان والحفريات في مملكة صارخون وبلاد عمور.
ويخصص الباحث الفصل الرابع للبحث عن ما روي في كتاب العهد القديم عن سورية فيتناول التوراة والتاريخ والجغرافية التوراتية مشيرا إلى أن الأبحاث تضم مجموعة واسعة من أسماء الأمم والملوك والاشخاص ومجموعات واسعة من أسماء الأمكنة مبينا أن الكشوف لم تؤكد أيا من المجموعات الأولى التاريخية.
وفي نقده للتاريخ التوراتي يبين بهنسي أن جميع المحاولات الاستكشافية في بلاد الشام لم تقدم أي دليل قاطع على ان ما ورد في التوراة كان حدثا تاريخيا ولم تؤكد ان المواقع التي وردت فيها تتطابق في وضعها وعلاقتها ببعضها مع ما هو قائم في فلسطين.
واختار بهنسي أن يتضمن كتابه إضاءات على تاريخ الحواضر الأولى مثل ماري /تل الحريري/ وابلا /تل مرديخ/ مشيرا إلى أن البحوث الآثارية في إبلا كشفت عن وجود أقدم معاهدة دولية تبين ذهنية سياسية وحربية متقدمة تفرض شروطا والتزامات تعطي إبلا حق التصرف بمقدرات السكان والممتلكات كما تطرق الى جمالية التراث السوري القديم من خلال فنون النحت والرسم والزخرفة والحلي والنسيج والزجاج والمعدن.
ولم يغفل بهنسي الحديث عن حضارة اوغاريت في الساحل السوري والاثار الفنية لهذه الحضارة كما كانت للاساطير القديمة نصيبها في كتابه حيث تحدث عن اسطورة الوجود والطوفان وجلجامش وتعدد الآلهة وبداية التوحيد الالهي وعقيدة الهكسوس والعقيدة الواحدية الاقدم والعقيدة التوراتية غير التوحيدية فضلا عن التراث السوري واثره في الغرب من خلال الأبجدية السورية والاميرة السورية أوروبا وتأثير السوريين في الإغريق.
وتعرض المؤلف للتراث السوري في روما مستعرضا تاريخ روما والاسرة السورية والامبراطور كاراكالا وافتينوس وفيليب العربي وابوللدور الدمشقي إضافة إلى تاريخ الأنباط وتدمر والغساسنة والمناذرة.
واسهب بهنسي في الحديث عن التراث الإسلامي في سورية من خلال الفن الإسلامي والرقش العربي والزخرفة وتراث العصور الإسلامية وآثارها المنتشرة في متاحف العالم وانعكاساتها على ملامح التراث الإنساني ولا سيما في الآثار الكنسية الأوروبية.
المصدر- سانا