الملحق الثقافي- نغم حامد:
لا أحد يُنكر حضور روايات لافتة في المشهد الأدبي السوري المعاصر، غير أنَّ كلمة (ولكن) تكادُ ترافق كثيراً من النَّقد الموجّه إلى هذه الأعمال، ما يشفُّ عن ضعفِ الرواية في تحقيق المتعة الحقيقية، وما يدفع إلى التساؤل المستمر: لماذا؟
لهذا ربما يكون من الجدير الإشارة إلى أحد الأسباب الكامنة وراء ذلك كما يبدو بالقراءة، وهو وجود حالة عاطفية انفعالية مع الوقائع اليومية، تطغى على السرد وتوجّهه، مترافقة مع ضعف المخزون الثقافي لدى كثير من أصحاب الموهبة . هذا الضعف الذي قد ينكره كثيرون، يمكن للقارئ أن يلاحظه من خلال النظر إلى الشخصيّات الروائية المتعددة في العمل الواحد، التي قلّما تستطيع الحضور بفكرها ومنطقها بشكلٍ مقنع ومؤثر، يدفع إلى التفاعل معها، باستثناء الشخصيات الموافقة لفكرالكاتب والمحمّلة برؤاه. وهذا ما يخالف حقيقة الرواية التي تمتاز ببنائها المعقّد، التعقيد القادم من الدراما والصراع الذي يَخلقُه حضور كلِّ شخصية بمنطقها وقدرتها على البوح بمكنونها فعلاً وقولاً، بشكل يؤثر في فعل الشخصيات الأخرى وردّ فعلها، كما بدا واضحاً في روايات روائيين عالميين مثل دوستويفسكي، الذي استطاع استحضارأكثر شخصياته بأبعادها النفسية والفكرية بشكل مسوَّغ يعكس أزمات وجودية مختلفة باختلاف الشخصيات لا أزمة واحدة. في حين أننا لا نرى ذلك لدى الكاتب هنا اليوم إلا في الشخصيات التي ارتضاها لحمل موقفه، لتبدو بقية الشخصيّات مجرّد مقبّلات أو مكملات للحكاية.
يلام الروائيون على هذا الضعف، في عدم تحقق شرط موسوعية الثقافة والإلمام بالعلوم المختلفة والتاريخ والدين والفنون وغيرها مما يوسّع أفق التخيّل لديهم، ويسمح ببناء عالم روائي غني يغوص في أعماق الشخوص ويصورأساليب حياتها ويعرضها بشكل مقنع وحقيقي، ولكنّهم لا يُلامون على قوة سُلطة الواقع على مخيّلاتهم وتأثير الموروث الثقافي فيهم. الواقع الذي أصبحت هشاشة الثقافة بصمة فارقة تميّزه، انعكس على بناء سردٍ روائيّ هزيل إذا ما قسناه بروائع الروايات، بسبب أنّ الروائي لا يستطيع تشييد بنية روائية – مكانية فكرية- مفارقة للسائد عموماً، وإلا تحولت إلى رواية خيالية أو أسطورية في نظر قراء الوسط الذي يخاطبه والذي خرج منه.
هذه الأزمة التي تعانيها الكتابة الروائية يعانيها النقد، وأثرت تأثيراً واضحاً في معاييره، بحيث أصبحت أقرب لمعايير تفاضلية بين الموجود المقدّم، تجعل من أفضلها متوّجاً على لوائح الجوائز الأدبية، لتحفظه الجائزة في ذاكرة الناس، بدلاً من أن تحفظه ألسنة الناس في ذاكرة التاريخ!.
العدد 1198 – 23 -7-2024