منال السماك
بعصا سحرية يبحثن عن فارس أحلامهن ليكون ملاذاً آمناً يعشن في كنفه أميرات مدللات، يعتقدن ضمنياً أنهن غير قادرات على رعاية أنفسهن ولا حل مشكلاتهن أو اتخاذ الصائب بقراراتهن، الرجل في حياتهن صمام الأمان والسند الذي يلقين عليه مسؤوليتهن، بينما يخفين قدراتهن ويتجاهلن إمكانياتهن، ومنهن الناجحات ولكن بعد الزواج ينسحبن من حياتهن العملية ليمارسن أدوارًا تقليدية في الظل، ويتخلين عن أهدافهن ويدفن أحلامهن، ويفضلن العيش تحت عباءة رجل يقدم الحماية والإعالة والرعاية، في حالة من السلبية تنذر بوجود مشكلة نفسية غير طبيعية تنشأ منذ الصغر عند الفتاة وتزداد سوءاً عند الكبر، وهي ما وصفها علماء النفس «بعقدة أو «متلازمة سندريلا».. أي الرغبة بأن تكون موضع رعاية.
للحديث عن «متلازمة سندريلا» لا بد من الإشارة إلى أول من سلط الضوء عليها على أنها حالة من عدم التوازن النفسي، تصيب بعض الفتيات وتعد عقدة حديثة، يعتقد أنها تنتشر بين نساء هذا العصر، وقد وصفت لأول مرة عام 1981 من قبل الكاتبة والمعالجة النفسية الأميركية كوليت داولينغ في كتابها (عقدة سندريلا: خوف النساء الخفي من الاستقلال)، وهي رغبة لا شعورية لدى الفتاة المصابة في أن تكون موضع الرعاية من الآخرين، وقد لخصت هذه الكاتبة متلازمة سندريلا بالقول: (أكره أن أكون وحيدة، تتوقف حياتي دائماً على انتظار من يلهمني ويحميني، أريد أن أحظى بالرعاية والاهتمام أكثر من أي شيء في العالم).
وقد استندت المعالجة النفسية إلى فكرة مفادها: أن النساء يتم برمجتهن منذ الولادة على الاعتماد على الآخرين والرجال من أجل سلامتهن وأمنهن العاطفي والجسدي، ما يؤدي إلى اكتساب سلوكيات تعمل على تخريب الذات، وخاصة فيما يتعلق بالسعادة والنجاح، وقد استوحت دارلينغ هذه التسمية من شخصية سندريلا في الحكاية الخيالية المعروفة للكاتب شارل بيروليت، فسندريلا فتاة مسالمة تخدم زوجة أبيها المسيئة، وبدلاً من استخدام ذكائها في تغيير واقعها، اعتمدت على أصدقائها من طيور وفئران، وكذلك الساحرة الطيبة، وفي النهاية يتزوجها الأمير فارس أحلامها ليخلصها من مشكلاتها.
وتشير المعالجة الأميركية داولينغ إلى أن هذا ما تواجهه بعض النساء، عندما يتجاهلن تطوير ذواتهن ويكرسن كل طاقاتهن في البحث عن فارس أحلام بعصا سحرية، ويفضلن العيش في ملاذ آمن يتولى فيه الآخرون رعايتهن وحل جميع مشكلاتهن.
اعتماد غير صحي
عن متلازمة سندريلا أسبابها وأعراضها وعلاجها، تحدثت لـ «الثورة» المرشدة النفسية دعاء الحلبي بالقول: إنها اضطراب نفسي يشير لمستوى غير صحي من اعتماد بعض النساء على الآخرين، كما تشير إلى خوف ضمني من استخدام إمكانياتهن واستغلال قدراتهن ومقوماتهن، ما يجعلهن عاجزات غير قادرات على تحمل المسؤولية واتخاذ قراراتهن، ولا يفعلن شيئاً سوى الاعتماد على الآخرين وانتظار الرعاية من الرجل، الذي يشكل بالنسبة لهن الاستقرار والحماية والرعاية.
الحماية الأسرية الزائدة
وتشير إلى أن التربية والتنشئة الاجتماعية التي تحظى بها الفتاة منذ الصغر تلعب دوراً كبيراً في إصابة بعضهن بهذا الاضطراب، وتلجأ بعض الأسر إلى تربية الولد على تحمل المسؤولية ومواجهة المشكلات، بينما يحرص الوالدان على إحاطة الفتاة بالحماية الزائدة خوفاً عليها، فيترسخ بداخلها أنها كائن ضعيف، ويتعزز لديها الميل للاعتماد على الآخرين.
الخوف من فقدان الرعاية
وتلفت الحلبي إلى أن عقدة سندريلا تتجلى بعدة سلوكيات، منها الحاجة الدائمة إلى رجل تعتمد عليه اعتماداً كلياً بكل شؤون حياتها، وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات فتكون لديها قناعة بأن قرارات الرجال أكثر صوابية، كما أنها لا تستطيع إعالة نفسها وتفضل الأدوار التقليدية كزوجة وأم، وغالبًا ما تستسلم لعلاقات سامة خوفاً من فقدان الأمان والرعاية من قبل الرجل، فتبني حياتها حول احتياجات الرجل وإرضائه وتفعل أي شي لإبقائه سعيداً.
التوازن وعدم المبالغة
وعن كيفية التغلب على متلازمة سندريلا- أشارت الحلبي إلى أهمية تحقيق التوازن الطبيعي لحياتها، من خلال إعادة تقييم احتياجاتها، والبحث عن طرق صحية لتلبيتها، كممارسة مهنة أو هواية مفضلة، وألا تبني أحلامها على شخص آخر، وعدم المبالغة في توقعاتها من الشريك كي لا تصاب بالإحباط، وأن تبحث عن شخص يشاركها اهتماماتها ويشجعها على تطوير ذاتها، كما ينبغي عليها أن تتحمل المسؤولية، وتمارس الرعاية الذاتية وتتعاطف مع نفسها، وتكشف نقاط القوة لديها لتشعر بقيمة ذاتها وتزداد ثقتها بنفسها، وأن تصنع سعادتها بنفسها من دون انتظارها من الآخرين.
