الثورة – ديب علي حسن:
هل تصدقون أن الينابيع الدفاقة تعطش.. لا بل هي ظمآى تكاد تصرخ، لو استطاعت أن تفعل، ولكن ثمة حقول وأشجار وبيارات وبيوت وغيرها تفعل ذلك.
المطر في الثقافة العربية رحمة وغيث السماء أكثر ما تردد في الشعر العربي والغيث دعوة بالخصب والعطاء..
وكم من شربة ماء كانت حياة جديدة..
في الساحل السوري حيث أكثر نسبة هطل مطري في سورية ثمة صرخة من أنشودة المطر السيابية..
نبع السن شريان الحياة لمدن الساحل طرطوس وجبلة واللاذقية وقرى الريف.. نبع يهدر نصف مجراه في البحر يتهادى إليه، وكأن أصحاب الشأن والقرار يخافون على البحر من ملوحته ويريدون أن يبل (ريقه) بماء سلسبيل، مع أن الدراسات تشير- كما قرأنا- إلى أن الكثير من الينابيع العذبة تتدفق تحت مائه منسكبة من الجبال ولا أحد يريد أن يستثمرها، ولماذا يفعلون إذ تركوا الماء المتدفق أمامهم فهل سيعملون على استثمار ماء تحت البحر..؟
وفي القرى حيث كانت الينابيع مصدر الشرب تلوثت مع فورة أحداث البلديات التي وجدت ضالتها في الأنفاق على ما أسمته الصرف الصحي..
هل تصدقون أن معظم الصرف الصحي يصب في مجاري الأنهار المغذية للينابيع..
الصرف الصحي في قرى الساحل السوري كارثة حقيقية فلا أحد يدري هل تسرب أنابيبه.
هل تعمل.. أين تتجه وكيف..
الأرض تقحلت.. يبست.. ماتت.. لا مطر الشتاء يخزن في السدود أو السدات في الكثير من المناطق.
أمس مررت قرب نبع صغير في قريتنا بدا حزيناً كئيباً مع أنه فاض بالماء وامتلأت جرونه الحجرية.. لم تعد الحكايا تحدث قربه، لم يعد شاهداً على مواعيد العشاق أو هجرهم.
لم يعد يسمع مواويل الفرح أو الحزن.
كان محطتنا الأثيرة ونحن عائدون من المدرسة أو أي مكان آخر..
أيها الرافلون في متع الحياة أنسيتم تلك الأيام.. أنسيتم مواويل الأنهار وما كان لها..
الناس عطشى.. والماء دفاق جار..
لبن العصفور حين تريدون يؤتى لكم، فماذا عن قطرة ماء..
أنذكركم بما قاله المعري:
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا..

التالي