الثورة – يمن سليمان عباس:
من يقرأ يعش أكثر من حياة، يسافر ويطلع ويزور العالم كله وهو جالس في مكانه، ولهذا يحتفي العالم كله بالقراءة والمطالعة.
وقديماً كان العرب شغوفين بالقراءة ومازال الكثيرون كذلك.
دراسات كثيرة تناولت عملية القراءة ولاسيما كتاب فن القراءة تأليف ألبرتو مانانغويل.
الكتاب.. عمل أدبي يتناول عملية القراءة من زوايا متعددة، ويعبر عن ارتباط الكاتب الشخصي بالكتب ودورها في تشكيل الفكر والثقافة الإنسانية.
يتناول مانغويل في كتابه تأملات عميقة حول القراءة عبر التاريخ، وأهمية القراءة كأداة للتحرر الذاتي والفكري.
القراءة حوار مستمر
يرى مانغويل أن القراءة ليست مجرد عملية ميكانيكية لفك رموز النصوص، بل هي حوار ديناميكي ومستمر بين القارئ والنص، هذا الحوار يتجاوز الكلمات المطبوعة ليشمل تفاعل القارئ مع أفكار وشخصيات الكتاب، مما يعزز من فهم القارئ لنفسه وللعالم من حوله.
ويعرض الكاتب كيف أن القراءة تساعد في تكوين الوعي الفردي والجماعي، حيث تتحول الأفكار المكتوبة إلى أدوات لفهم الواقع والتأثير فيه.
تاريخ القراءة وتطورها:
يتتبع مانغويل تاريخ القراءة منذ العصور القديمة، حيث كانت القراءة تتم جهرًا في الأماكن العامة، مروراً بتطورها في العصور الوسطى إلى أن أصبحت عادة شخصية وخاصة.
يناقش كيف أثرت هذه التغيرات على طريقة استقبال وفهم النصوص.
ويقدم الكتاب أمثلة عن تأثير القراءة على المجتمع والثقافة عبر التاريخ، مثل دور القراءة في نشر الأفكار الدينية والفلسفية والسياسية.
القراءة والسلطة:
يتناول مانغويل العلاقة بين القراءة والسلطة، مشيراً إلى أن القدرة على القراءة والوصول إلى المعرفة كانت دومًا محصورة في أيدي النخبة، كانت هذه القدرة وسيلة للتحكم في المجتمعات وتوجيهها.
يناقش كيف أن الحركات التاريخية الكبرى، مثل حركة الإصلاح البروتستانتي، استندت إلى انتشار القراءة وترجمت الكتب المقدسة إلى اللغات المحلية، مما مكن الأفراد من التفكير بشكل مستقل.
وعن التجربة الشخصية مع الكتب، يقدم مانغويل تجاربه الشخصية مع القراءة منذ الطفولة، وكيف أن الكتب كانت نافذة يطل منها على عوالم جديدة. يعرض كيف كان لبعض الكتب تأثير كبير على مسار حياته وتفكيره.
يتحدث عن قوة الكتابة في نقل التجارب البشرية المختلفة، ويمكن للقارئ أن يعيش حياة أخرى عبر صفحات الكتاب، وأن يتعرف على ثقافات وأفكار لم يكن ليصل إليها بطرق أخرى.
القراءة مناعة
يناقش مانغويل القراءة كفعل مقاومة للظلم والاستبداد. يبرز أمثلة من التاريخ عن كيف استخدم القراء والكتاب القراءة كوسيلة لمواجهة القمع والتعبير عن آرائهم بشكل خفي.
يشير إلى أن القراءة تمثل تهديدًا للأنظمة القمعية، لأن القارئ يمتلك القدرة على التفكير النقدي واكتشاف الحقيقة المخفية.
الكتب والذاكرة الجماعية:
يسلط مانغويل الضوء على دور الكتب في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للمجتمعات. يرى أن الكتب تعد خزانًا للمعرفة والتجارب الإنسانية، حيث يمكن للأجيال اللاحقة الوصول إلى تراث أجدادهم من خلال القراءة.
يتحدث عن الكتب الممنوعة والمدمرة عبر التاريخ، وكيف كانت محاولات القضاء على الأفكار المعارضة دائمًا مرتبطة بمحاولات تدمير الكتب.
القراءة في العصر الرقمي:
يعبر مانغويل عن قلقه من تأثير التكنولوجيا الحديثة على عادات القراءة، يشير إلى أن الانتشار الواسع للأجهزة الرقمية قد يؤدي إلى تراجع القراءة العميقة، وتحويلها إلى عملية سطحية وسريعة.
ومع ذلك، يظل مانغويل متفائلاً بإمكانية الحفاظ على القراءة كفعل عميق ومؤثر في العصر الرقمي، شريطة أن يتم توجيه الجهود نحو تعزيز قيمة الكتابة والقراءة).
القراءة فعل إبداعي حقيقي لا يمكن لأي إنسان في هذا العصر أن يكون قادراً على المتابعة من دون القراءة.
وإذا كانت القراءة قد شهدت تراجعاً في العالم كله ولكنها في الوطن العربي الأكثر تراجعاً ويجب أن توضع خطط واستراتيجيات للنهوض بالقراءة لأنها النمو العقلي الحقيقي.