الملحق الثقافي- د. سناء شامي:
حوالي 750 ق.م أخبرنا الشاعر اليوناني عن أول امرأة، وصلت إلى كوكب الأرض، بعد أن خلقها زيوس ملك الآلهة وأسماها باندورا، وطلب منها حراسة صندوق يحتوي جميع الشرور المميتة في العالم، إلا إنها فتحته منهية بذلك السلام بين الرجال، ظلت صورة باندورا كائناً ثقافياً متكرراً في العديد من المذاهب تمَّ تناقله لقرون بين مختلف المجتمعات. لا أحد يعلم بالضبط كيف نشأ اضطهاد المرأة، وحسب رأي فإن نشأته مربوطة بولادة استبداد الشعوب، إلا إننا لا نستوعب ذلك لأننا نعتقد بأن الاضطهاد مقتصر بين جنسين مختلفين، إلا إنه في الحقيقة حاضر في أغلب جوانب حياتنا ذكوراً وإناثاً، لكن رمزيته تأخذ شكلاً أكثر وضوحاً في طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى.
إن اضطهاد الرجل للمرأة يحمل في طياته بُعداً اجتماعياً، الرجل أيضاً مضطهد في جميع المجتمعات (عليه التملق والخضوع لجبروت صاحب العمل، عليه وحده مسؤولية تأمين سبل العيش للعائلة وإلا يُنظر إليه على إنه غير مكتمل الرجولة، الزواج في مجتمعاتنا لمن يدفع مهراً أكبر الخ.
إنها السلطة التي تحكم جميع العلاقات البشرية مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وتوجهها بما يناسب مصالحها، لذلك هذه السلطة رسمت دائماً وفي جميع العصور شكل العلاقة بين المرأة والرجل بما يخدم استمراريتها، وحتى هذا اليوم مازالت هذه السلطة تعمل على اخضاع الرجل والمرأة معاً، من خلال إخراج العلاقة من مسارها التاريخي ومن دوائرها الحياتية التي تتمثل في الحياة الاجتماعية وأنماط الإنتاج وتشكيلات الاقتصاد السياسي، لتحصرها في أشكال عقائدية غير عادلة تجاه الرجل وغير منصفة تجاه المرأة، لأن السلطة من ولادتها لم تنظر للرجل والمرأة من منظار الحياة وبأنهما معاً إنسان واحد كل طرف يكمّل الآخر، بل نظرت دائماً إليهما من باب الجنس: جنس الأنثى مقابل جنس الذكر الأقوى عضلياً، ولأنه الأقوى جسدياً اعتمدت عليه في حماية وجودها وأقنعته بأن يقيد نصفه الآخر، ألا وهو المرأة، وبذلك تضمن عدم تمرد الأثنين معاً عليها: ففي عصر العبودية، السيد يملك كل شيء، وبقية الناس رجالاً ونساءً وأطفالاً لا تملك إلا رمقها، وفي أسواق النخاسة كانت تُباع الرجال والنساء والأطفال حسب متطلبات السوق من دون التمييز بين ذكر وأنثى، وكان الذكر والأنثى يعملان جنباً إلى جنب لخدمة السيد أو السيدة، إذ كان هناك عبر التاريخ سيدات تملكن كل شيء وتضطهدن الرجال والنساء والأطفال الفقراء الذين يعملون لديها، وفي ذلك العهد كان الاضطهاد الأكبر من نصيب الذكر، الذي كان يُحرم حتى من حقه في الزواج أو الإنجاب، ويتم خصيه من أجل التفرغ فقط لخدمة سيدات القصور.
وحتى في العصر البرجوازي- الرأسمالي ورغم التنوير، فقد كان البرجوازي والبورجوازية لا تميز في استغلالها للإنسان بين رجل و امرأة.
إذاً بالنظر إلى الواقع المعيشي اليوم ومثيله في العهود القديمة، نلاحظ بأن الاضطهاد لم يكن نتيجة الفارق الجنسي بين الرجل والمرأة، لا بسبب الفارق الطبقي الذي هو نتاج المنظومة السياسية للسلطة.
العبودية الجنسيّة
في الغرب منذ سنوات طويلة انتشرت العبودية الجنسية، فالشوارع ودور الدعارة تعج ببنات الهوى، وأيضاً في الواجهات التجارية تصطف أجساد فتيات عاريات للبيع وللآجار مثل أي سلعة تجارية، والقوانين لا تمنع ذلك باسم الحرية الشخصية، لدرجة أن الدولة سنت قوانين لحماية الدعارة واعتبرتها مهنة كغيرها من المهن، واكتفت بجمع الضرائب منهم، يقول ماركس: «إن التحرر الحقيقي للمرأة يكون من خلال تحرير المجتمع كاملة، الدفاع عن العبد لا يعني التحرر من العبودية، سلطة الاستبداد استغلت كل ما يتعلق بإنسانية البشر ووظفته لخدمتها، إبتداءً من الدين مروراً بعلاقة الرجل مع المرأة، و ذلك حسب منطقها الأبدي، فرّق تسد، اليوم في الغرب «المتحضر» هناك امرأة إسمها أورسولا ڤون دير لاين، وهي رئيسة المفوضية الأوربية، نائبها رجل اسمه فرانس تيمّرمانس يمثلان معاً مصالح الرأسمالية الأوربية و يعملان حنباً لجنب لتعميق المذبحة الطبقية بإسم الإتحاد الأوربي، والتأثير السلبي لتلك المذبحة الطبقية في تزايد في عالم العمل والطبقات الوسطى داخل وخارج أوروبا، دون أن تميز بين رجل وامرأة لأن الفقراء بالنسبة لسلطة الاستبداد يتشابهون.
أيضاً في العالم هناك نساء شغلت مناصب هامة، لكنها لم تستطع أن تُحسّن من واقع المرأة أو الرجل، لأن السلطة ذاتها لا تريد تغيير واقع الحال، وما وصلنا إليه اليوم من تراجع هو نتيجة تراكمات سياسية خاطئة أضعفت، وقزّمت الرجل و المرأة معاً، واستعملت رجال الدين الذين شوهوا أحياناً بعض المفاهيم الدينية وحجم المرأة الفعلي في الدين وفي المجتمع، وربطوا رجولة الرجل وشرفه بالجنس وتلاعبوا ليفضّلوا الذكر على الأنثى، ويبنوا عنصرية هدامة مبنية على التمييز بين الجنسيين.
كانت المرأة مسجونة في دور الزوجة أو الأم، ثم جاءت الثورة الصناعية الأولى، ففي عام 1840 كان النساء والأطفال يشكلون ال 75% من اليد العاملة و كانت المرأة محرومة من أدنى حقوقها، وكان استغلالها جنسياً حق من حقوق سيدها عليها ومع توالي الثورات الصناعية، أصبحت المرأة موضوعاً اجتماعياً.
مرئياً خارج الأسرة، وتالياً لم تعد محمية خارج المنزل، ووضعها الجديد هذا سلّط الضوء على التناقضات والصعوبات المرتبطة بهذا التغيير والتي أخذت بالتصاعد إلى يومنا هذا.
الثورات الصناعية صاغت هوية انثوية جديدة للمرأة، لا علاقة للرجل بها، هوية تتخبط بين التداعيات الحتمية على العلاقات الأسرية وعلى المجتمع ككل، وبات يُنظر إليها كموظفة بأجر، وساعات العمل الطويلة انعكس على تنظيم الأسرة وعلى رعاية الأبناء وعلى توازن الحياة اليومية وعلى صحتها الجسدية والنفسية، وفي هذا الصدد، قال المشرّع الفرنسي جون سيمون: إن المرأة العاملة لم تعد امرأة طبعاً المرأة العاملة ليست هي المشكلة، فالمرأة كانت تعمل في منزلها كخياطة، غازلة نسيج وأيضاً فلاحة، وذلك قبل ظهور الرأسمالية الصناعية، لكنها كانت تقوم بذلك ضمن البيئة المنزلية، كما كان عملها هذا متوافقاً مع دورها التقليدي كامرأة
لكن في عصر التصنيع، منطق السوق فرض عليها أن توفق بين بيئة العمل و بيئة الأسرة، و هذا زادها إعياءً على جميع المستويات و السؤال هنا هل إستطاع الرجل أن يعارض استراتيجية الرأسمالية الصناعية و يمنع إمرأته من العمل خارج المنزل؟ هل فعلاً صارت المرأة حرة، أم طبقت شروط نموذج التنمية الاقتصادية المرتبطة بالرأسمالية؟ هذا النموذج، ألم يفرض نفسه على المرأة و الرجل معاً؟ ألم تفرض الثورات الصناعية على النساء والرجال الهجرة من الريف إلى المدينة؟ في يومنا الحالي ألم تقتلع الثورة الصناعية الرابعة، الرجل و المرأة من جذورهم، وتفرض عليهم الهجرة مسببة بذلك خلل في التوازن بين الدول ذات الإقتصاديات المتقدمة، وبين بقية العالم؟.
العدد 1203 –3 -9 -2024