باباجان غفوروف – مؤسس الدراسات الشرقية السوفييتية

الملحق الثقافي – إبراهيم إستنبولي :

عقد في ٥ كانون الأول بدعوة وتحت رعاية رئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمان شخصيا المؤتمر الدولي المكرّس للذكرى ال١١٥ لميلاد المستشرق ورجل الدولة باباجان غفوروف وذلك وسط حضور شعبي كبير وبمشاركة ممثلين عن البعثات الدبلوماسية في دوشانبي وباحثين من فرنسا وإيران والصين وباكستان وسوريا (إبراهيم إستنبولي).
لن نبالغ إذا قلنا أنَّ باباجان غفوروف هو أعظم مستشرق نجح في نقل علم الاستشراق السوفييتي إلى مستوى جديد وأدخل فهماً جديداً في العالم لتاريخ طاجيكستان ولنشوء الشعب الطاجيكي.
وقد أصبح اسم باباجان غفوروف رمزاً لحقبة كاملة، وبات اسمه مقترناً بالتاريخ المعاصر للشعب الطاجيكي، وكل من يعرف الحدّ الأدنى عن طاجيكستان وعن تاريخه يعرف اسمه، إنه ممثل جدير للشعب الطاجيكي، ويحق لكل مواطن طاجيكي أن يفتخر بوجود مثل هذا العالِم ورجل الدولة في وطنه.
أكثر ما برزت الصفات القيادية كسياسي وكباحث عند غفوروف عندما استلم إدارة معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، وهو أكبر مركز في الاتحاد السوفييتي يدرس بلدان وشعوب آسيا وشمال أفريقيا، لقد كانت مساهمة العالم ورجل الدولة غفوروف في تطوير المعهد جوهرية لا تقدر بثمن.
كان مركز الدراسات الشرقية فرعا ناشئاً وجديداً في الاتحاد السوفياتي، مع عدد محدود من العاملين والباحثين، ومع خبرة متواضعة جداً إذا ما تمت مقارنتها مع خبرة الاستشراق الغربي، نعم، لقد كان المركز العلمي ضعيفاً للغاية بحلول منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وهذا ما أشار إليه الأكاديمي ريباكوف: كان الناس يقولون «لقد استيقظ الشرق، وحده معهد الدراسات الشرقية لم يستيقظ من سباته بعد».
كما أنَّ غفوروف نفسه الذي أصبح فيما بعد سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في طاجيكستان، أشار أكثر من مرة إلى المستوى المنخفض للمعرفة باللغات ولتاريخ بلدان الشرق بين المتخصصين.
من هنا كانت الحاجة ماسة من أجل إعادة بناء الدراسات الشرقية السوفييتية ورفدها بالمزيد من الكوادر وتأمين ما يلزم من احتياجات مادية، لذلك، راح غفوروف يعمل بحماس كبير وبوتيرة غير مسبوقة.
لم يكن قد مضى سوى عام واحد على تعيينه في رئاسة المعهد، حتى دعا إلى انعقاد المؤتمر الأول للمستشرقين في عموم الاتحاد السوفياتي وذلك في طشقند، ذلك المؤتمر الذي كان نقطة البداية لتبادل الخبرات والإنجازات بين المراكز العلمية في الاتحاد السوفياتي.
كما أولى العالم اهتمامه الخاص لمسألة الكادر في المركز، فارتفع عدد الموظفين في المعهد خلال السنة الأولى من عهد غفوروف من 185 إلى 338 شخصاً.
وبالتوازي مع ذلك، عمل كل ما أمكنه من أجل زيادة الدعم المالي للمعهد من قبل الدولة أيضاً، وهذا ما سمح للعلماء بالذهاب في رحلات عمل وبعثات استكشافية بشكل منتظم.
ثم كان تأسيس دار نشر متخصصة بالأدب الشرقي عام 1957 من أهم الإشارات التي تؤكد النظرة العميقة والبعيدة عند العالم ورجل الدولة غفوروف، حيث قامت الدار بنشر مخطوطات العلماء الروس والترجمات والأصول للمصادر التاريخية والأدبية. وما زالت دار نشر غفوروف تعمل حتى الآن في نشر الكتب والدراسات في مختلف مجالات الفكر والأبحاث الآسيوية والأفريقية.
لم يقتصر إنجاز غفوروف على تعزيز القاعدة العلمية لمعهد الاستشراق فحسب بل جعل من المعهد نقطة استقطاب سياسي وفكري في الاتحاد السوفييتي، بحيث أنَّ كبار المسؤولين والوفود من الدول الآسيوية والأفريقية التي كانت تأتي لزيارة الاتحاد السوفييتي، كانت تقوم بزيارة المعهد حيث يعقدون جلسات حوار واتفاقيات تعاون.
لقد أثبت نفسه كمسؤول فطن وصارم، يعرف كيف ينزع فتيل الصراعات، «منظم نشيط وقادر» (حسب شهادة البرفسور إيغور ميخائيلوفيتش دياكونوف)؛ «حكيم شرقي» (حسب تيودر)، وفي الوقت نفسه، كان قياديًّا صارمًا من الرعيل الستاليني في الإدارة. يرى الأكاديمي ألباتوف V. M. Alpatov أن إدارة غفوروف هي أفضل فترة في تاريخ معهد الاستشراق، وفي عهد غفوروف، ظهر في المعهد عدد من الموظفين الشباب، بما في ذلك أولئك الذي كانوا مضطهدين ومسرحين من الوظيفة، وتم إنشاء هيكل لغوي خاص لأول مرة – قسم اللغات، وبدأت رحلات المستشرقين السوفييت إلى البلدان قيد الدراسة، ودار نشر.
لقد دحض غفوروف في كتابه المرجعي «الطاجيك» النظرية القائلة بأن الطاجيك شعب «غريب، غير أصيل»، وأثبت علمياً أن تكوين الطاجيك كشعب حدث في العصور القديمة وفي أراضي آسيا الوسطى تحديداً.
وقد دعّم هذا الرأي التاريخي بمصادر مكتوبة تم العثور عليها في ذلك الوقت، إضافة إلى البيانات المأخوذة من علم الآثار واللغويات والأنثروبولوجيا ومن العلم المختص بسكّ العملات وغيرها من العلوم.
يعد كتاب «الطاجيك» طفرة في الدراسات الشرقية، وكذلك في الوعي الذاتي التاريخي للطاجيك أنفسهم، الذين رحبوا بالكتاب بحرارة.
وهذا ما أشار إليه العالم الطاجيكي الشهير محمد جان شاكوري: «لقد اكتسب عمل الأكاديمي باباجان غفوروف «الطاجيك»، الذي نُشر عام 1972، شهرة واسعة وبسرعة.
قام باباجان غفوروف، الذي جمع بين الأنشطة السياسية والأنشطة العلمية، بإيلاء اهتمام أساسي لتطوير العلوم والثقافة والهوية الوطنية. وبمبادرة منه تم افتتاح أول جامعة في طاجيكستان في عام 1948، كان افتتاح جامعة طاجيكستان الحكومية (الآن TNU) حدثاً عظيماً في الحياة العلمية للجمهورية.
كما كان راعياً للمواهب، وقد ساهم دعمه الشخصي في تحقيق نجاح كبير على الساحة العلمية والثقافية للعديد من العلماء والشعراء والكتاب الموهوبين.
عندما كان باباجان غفوروف السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي في طاجيكستان، تم إنجاز العمل الذي كان سيستغرق أكثر من عقد من الزمن، تم استعادة المؤسسات الصناعية التي كانت معطلة أثناء الحرب لأسباب مختلفة.
أختم بما قاله رئيس طاجيكستان إمام علي رحمان عن الأكاديمي باباجان غفوروف:
«لقد كان حقاً رجل دولة ذا نظرة أكاديمية وأكاديمياً ذا تفكير حكومي، علاوة على ذلك، كانت حياته كلها مثالاً للخدمة المخلصة والمتفانية لمصلحة العلم والشعب والوطن».
بتوجيه من رئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمان تمّ توزيع مليون وستمائة ألف نسخة من «الطاجيك» مجاناً على كلّ عائلة في طاجيكستان.

التاريخ 17 – 9 – 2024

العدد 1205

آخر الأخبار
المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا  حملة شاملة لترحيل القمامة من مكب "عين العصافير"  بحلب بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية  كيف حول الرئيس الشرع رؤية واشنطن من فرض العقوبات إلى المطالبة برفعها؟ ٥ آلاف ميغا واط كهرباء تعزز الإنتاج وتحفز النمو  المعرض الدولي لقطع غيار السيارات.. رسالة نحو المنافسة باستخدام أحدث التقنيات   "صحة وضحكة" .. مبادرة توعوية لتعزيز النظافة الشخصية عند الأطفال من رماد الصراع إلى أفق المناخ.. فلسفة العودة السورية للمحافل الدولية