الملحق الثقافي- رولا محمد السيد:
عدنان بن ذريل عدنان الذهبي ناقد، عاش حياته عذباً منصرفاً إلى القراءة متشبثاً بأخلاق الفرسان بسيطاً هادئاً، دائم الابتسام، مثقفاً في قضايا الفلسفة والفكر والفنون الشّعبية والموسيقية، فضلاً عن مناهج البحث واللغه والنقد.
ولد الناقد عدنان الذهبي الذي عرف بلقبه (ابن ذريل) في دمشق عام 1928، وتوفي فيها عام 2000 .
تلقى علومه في دمشق وتابع دراسته العالية في الفلسفة في جامعة القاهرة، وتخرج فيها.
ذكر عبد القادر عياش في معجم المؤلفين أن ابن ذريل عمل موظفاً في وزاره الثقافة السورية. وإذا صح ذلك فإنه لم يعمل طويلاً إنما آثر العيش حراً دون وظيفة أو زواج ودون انتساب لحزب أو لجماعة أدبية.
كان طويل القامة دائم الابتسام، يخيل إلى محدثه أنه طفل كبير يفرح إذا سمع كلمة طيبة، ويهتز طرباً إذا أنجز دراسة أو كتاباً أو مقالة.. يتمتع بالوفاء والصدق والإقبال بنهم على القراءة، وحرص لم يزعزعه شيء في الحياة على التفرغ للكتابة والتأليف.
شارك في الحياة الأدبية العربية كاتباً ومحاضراً، وألف مئات المقالات والدراسات والكتب ابتداء من أربعينات القرن العشرين الماضي.
عكست مؤلفاته موسوعيته، إذ كانت له كتب في المسرح والقصة القصيرة والرواية والفلسفة والموسيقى والرقص والترجمة والنقد.
منها المسرح السوري 1971 الأدب المسرحي في سورية 1964 مسرح علي عقله عرسان 1980 ومسرح وليد مدفعي 1970 وأدب القصة في سورية 1966 والرواية العربية السورية 1973 والنقد والأسلوبية 1989 والنقد والبلاغة 1983 واللغة والدلالة 1981 ورقص السماح 1970 وظواهر الوجود الجدلي 1972 والفكر الوجودي 1985 ..الخ.
أصدر في حياته عدداً كبيراً من الكتب، كان للرواية بينها نصيب غير كبير، يكاد يقتصر على كتابه الرائد (الرواية العربية السوريه دراسة نفسية)، وعلى كتابه (عبد السلام العجيلي، دراسة نفسية في فن الوصف القصصي والروائي).
تحليل منهجي
حرس عدنان بن ذريل في نقده الرواية السورية على أن يحلل النصوص الروائية تحليلاً منهجياً، استند فيه الى مناهج نقدية ذات أصول فلسفية وخصوصاً المنهج النفسي الذي بدا ولوعاً به، عاملاً على ترسيخه في نفد الرواية.
فكتابه عن عبد السلام العجيلي هو دراسة نفسية في ( فن الوصف القصصي والروائي). وكتابه عن (الرواية العربية السورية)، وهو أول كتاب مخصص للرواية السورية وحدها يصدر في سورية، لا يدرس فيه غيرها.
إن فكر ابن ذريل النقدي فكر منهجي، يؤمن بأن تحليل النص الروائي يجب أن يكون مقيّداً بمنهج محدد ، يعين الناقد على السير في طريق مأمونة، تضمن له تحقيق هدفه من تحليل النص وخطواته الإجرائية في اثناء ذلك.
ومثل هذا الفكر المنهجي يرفض أن يكون عاماً، بحيث يحلل النص مستنداً في ذلك إلى تذوق الناقد، بلإنه لا يكاد يعترف بالنقد التذوقي على أنه مستقل بنفسه، لأن هذا الاعتراف يعني أن يدخل الناقد النص دون جهاز (مفاهيمي) مستمد من أحد المناهج.
فكر نقدي
أيضاً فكره النقدي لا يؤمن بالنقد الموضوعاتي الذي يبحث في النصوص الروائية عن مضامين موضوع ما، إنما يراه مغايراً لاهتماماته باللسانيات والبنيوية والتحليل النفسي وهي المناهج التي أبعد النقد الموضوعاتي نفسه عنها، وأبعدت هي أيضاً نفسها عنه، تأكيداً لما قاله دانييل برجيز: «إن النقد الحديث نشأ تحت شعار اللسانيات والبنوية والتحليل النفسي أي تلك التيارات الثلاثة التي عمل النقد الموضوعاتي يوماً على صون استقلاله تجاهها».
الفكر النقدي المنهجي عند ابن ذريل فكر تحليلي تركيبي وقد نص هو نفسه على هذا الأمر دون مواربة، فقال عن التحليل النفسي للرواية العربية السورية وعملنا: «وعملنا النفسي إذن سيكون عملاً تحليلياً وتركيبياً ولنقل تشريحياً وتفسيرياً وسنحرص كل الحرص بالطرق التحليلية والتركيبية التي يسمح بها المنهج النفسي العام أن نظهر نموذجيّة هذه الشخصيات».
وهذا يعني أن يفهم نقد الرواية على أنه تحليل النص الروائي أو تشريحه ثم إعادة تركيبه، بغية فهمه أو تفسيره، وموضوع الفهم بغية التأثير الوجداني القيمي.
إن النقد عند ابن ذريل يزيد أهميّة، ويرتقي في سلم التقدير الإيجابي حين ننظر في الصورة الكلية التي تضم مؤلفات هذا الناقد في شؤون الفن والأدب واللغة والنقّد مجتمعة.
ولئن فات الأدباء والنقّاد تقويم عطائه النقدي في حياته قبل مماته، فإن أثره في الحياة الأدبية في سورية لن ينسى.
ولئن أثرت شخصيته الودودة غير الحازمة، المتفائلة غير المتحزبة، المحبة للعزلة، والبعد عن الجمعيات والاتحادات والأحزاب في نظرة المثقفين له، وتقديرهم لمهاراته ومعارفه فإن الأشكال والتحالفات لم تكن في يوم من الأيام قادرة على أن تمنح الأديب ما لم يستطع الحصول عليه بجهده، وستكون عاجزة عن أن تسلب من أديب آخر ما بذل الوقت والجهد في الحصول عليه.
العدد 1206 –24-9 -2024