الثورة – هفاف ميهوب:
أقلُّ ما يمكن أن يقوله الشّعر، أمام ما يراه من تمادي العدوّ الصهيوني، في اعتداءاته ومجازره الوحشية التي يتنقّل بها ما بين غزّة فلسطين وجنوب لبنان.. أقلُّ ما يمكن أن يقوله، ولاسيما الشّعر الفلسطيني المتّقد غضباً يقاوم:
“والسّماءُ والجنوبُ والمقاومةْ/ لن نترك الأقمار خلفَ الليلْ/ ولا صهيل الخيلْ/ فكلّ تلّةٍ من التلالِ حالمةْ/ وكلّ غيمةٍ على بيادرِ البقاع غائمةْ/ وكلّ روحٍ حرّةٍ لا تقبلُ المساومةْ/ تصيح عاشت المقاومةْ..”.
إنه ما قاله شاعرٌ، لم يتوقّف ومُذ بدءِ الحرب على “غزّة”، عن إطلاقِ قصائدٍ نشعرها، أشبه برصاصٍ يخترق قلب العدوّ، فيشظّيه بقوّة غضبه ومقاومته.. الشاعر الفلسطيني “صلاح أبو لاوي” الذي استمرّ في دفاعه عن قضيّته الأساسية، المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة، وقصيدتها اليوم صرخته:
“جئتُ باسمِ فلسطينَ.. في جعبتي فجركمْ”
مثلما يُقبلُ الغيمُ من آخر الماءِ شوقاً لأوّلهِ/ جئتُ أحضنُ أرز الجنوبِ وبحر الجنوبْ..
جئتكمْ/ أيها القاطنون تلال السماءْ/ أبيض الأمنياتِ/ أحجُّ ـ كما يفعل الشهداءْ ـ في شعابِ الجنوبْ..
جئتكمْ/ أتلمّسُ درب النجاةِ فقد طال ليلي/
لأقبسَ من ضوئكم حفنةً/ أو أشارككمْ في رغيفِ الرصاصِ/ وزيتِ القناديلِ/ فالشمس أولها في الجنوب وآخرها في الجنوبْ..
جئتكمْ/ حاملاً قلقي وارتداد أبي وغباش غدي/
لأرى ما أرى واضحاً كالجنوبْ..
جئتكمْ/ بين عيني وعيني ابتسامة أمي التي عَرَجتْ روحُها/ فوق زغرودةٍ يوم نصر الجنوبْ..
جئتكمْ/ فارغ الرئتينِ لأملأ قلبي هوى في الجنوبْ..
جئتكمْ/ لأصلّي على طهرهِ ركعتينِ/ وأطلق شنّارة الروح آمنةً في جبال الجنوبْ..
جئتكمْ/ مثل “أيوبَ”/ أعلى من المستحيلِ
ورأسي على كوكبٍ في الجنوبْ..
جئتُ/ باسم فلسطينَ في جعبتي فجركمْ/ ويدي تجمع الماء بالماءِ عشقاً/ أقول لكمْ: وصلتْ بعد حيفا وما بعد حيفا/ رسائلُ أهل الجنوبْ.
“جنوبيونَ معنى.. جنوبيونَ قافيةً ولحنا”
شاعرٌ فلسطيني آخر، يتضامن مع الجنوب والمقاومة، وأيضاً لأنه ابن قضيّة أساسية.. الشاعر “محمد لافي” المعروف بنضاله الشعريّ ضد العدوّ الإسرائيلي، مثلماً بموقفه المقاوم والمتضامن، بل وقصيدته الناطقة باسمِ كلّ مقاومٍ من الجنوب اللبناني:
“جنوبيونَ نحنُ/ إذا خيول الأقرباءِ كبتْ/ سنوقفها على دمنا/ ويوقِفنا على دمهِ الجنوبُ/ جنوبيون نخلعُ ثوبنا الباقي/ لنستر عُريهمْ عزَّ الظهيرةِ/ كم سيسترُ عُريهم هذا الجنوبُ؟!..
جنوبيونَ معنى/ جنوبيونَ قافيةً ولحنا/ جنوبيون نحنُ/ ولا نراسلُ غير أسماءٍ يُسميها الجنوبُ.. جنوبيون في الزمنِ الكسيحْ/ جنوبيونَ نرفعُ لاءنا في زحمة الزمنِ/ “الأميركانيّ” بالعربي الفصيحْ..
جنوبيونَ نرفعُ لاءنا/ فوق الخرابِ الآن لافتةً/ تضيءُ حروفها ويُضيئنا فيها الجنوبُ..
“كأنَّ القدر.. أرادنا شركاءَ ألمٍ وكرامة”
ها هو أيضاً، الكاتب والشاعر الفلسطيني “جواد العقاد” يتضامنُ مع المقاومة في جنوب لبنان، فيكتب بالنزيفِ ذاته الذي يعيشه، ويكتب به من جرحِ غزّة ـ فلسطين:
“من قلبِ الجرحِ النازفِ في غزّة، من تحتِ الرماد والدخان، أكتب لكم بروحٍ لا تعرف الانكسار، وأمل يرفض الزوال.
أرى فيكم الحلم الذي يرفض الموت، وفي كلّ قطرةِ دمٍ تسيلُ منكم ومنّا، نعيدُ كتابة التاريخ من جديد، كأنّ القدر أراد لنا أن نكون شركاء في الألم والكرامة. لبنان الذي لا ينحني، أنتم الأوفياء الذين حمّلتم على أكتافكم همّ فلسطين، وأقسمتم أن الدم الذي جرى هنا وهناك، هو شريانٌ واحدٌ ينبض بحبِّ الوطن.
وحدةُ الدمِ والمصير ليست شعاراً، بل هي وصيّة الشهداء التي لا تسقط.. هي عهد الأمّهات الثكالى وآهات المعتقلين.
يا رفاق العهد، أنتم الأمل الذي لا يساوم، الجدار الذي لا ينكسر.
من غزّة المحاصرة، أكتب لكم بقلبٍ ينبض بالحياة والحبّ، لن ننسى أنكم في كلِّ معركةٍ كنتم هناك، جنوداً من أجلِ الحرية والكرامة”.