الثورة _ هفاف ميهوب:
رأسماليةٌ صاعدة واستعمارٌ متطوّرٌ في مساره، وفي فنونِ الإبادة والتدمير التي ابتكرتها حداثته، حروبٌ بيولوجية ـ سياسية، وأزمةُ مناخٍ تهدّد كوكب الأرض، ونفايات سامة وإبادات جماعية.. إنه ما تناولهُ الكاتب والروائي الهندي «أميتاڤ غوش» في كتابه «للحربِ وجهٌ آخر»..
الكتاب الذي بدأ بكتابة فصوله، في الوقت الذي أصبح فيه «فيروس كورونا» هو الكائن المجهري الأكثر تهديداً للبشر..
هذا ما تناوله في كتابه، اعتمد فيه على وثائق ومراجع تاريخية، تبيّن سعي الاستعمار القديم مثلما الجديد، لفناءِ الجنس البشري واستهلاكه، واستنزاف وجوده وثقافته وموارده، ومن خلال شنِّ الحروب والاعتداءات التي مارس فيها، أقسى وأبشع أنواع العنف والتعذيب والحرق والإبادات، الأمر الذي قضى على شعوبٍ بأكملها، طمعاً بما لديها من موارد وثروات.. إنه ما أدّى برأي «غوش»، إلى «إعادة تشكيل الأرض» وإعادة تسمية التضاريس والأماكن من قِبل المستعمرين، وليس فقط لأنهم أرادوا محو الماضي من العقول، بل ولأنهم تقصّدوا طمس المعاني التي قد ترافق إعادة تشكيله.تشير البداية، إلى «الأب الأوّل لكلّ الأشياء»..
أي جذور الشرّ، وتأثير بصمة الجيوش الأمريكية الكربونية المدمِّرة على المُناخ، بل ودورها السلبي المتجسّد، في كون «وزارة الدفاع الأميركية وحدها، تنتج نصف مليون طن من النفايات السامة سنوياً، أي أكثر من أكبر خمس شركات كيميائية مجتمعة».بيد أنها «أوهام العرّق المتوّج»..
هكذا أسماها «غوش» الذي رأى:»أزمة الكوكب المتمثّلة في استجابة الأرض، لعولمةِ التحوّلات التي أُطلقت في أنحاء العالم على أيدي الأوروبي، سببها ذهنية الرجل الأبيض، وإحساسه بأنه المسؤول عن مصير الكون والعالم، وعن ابتكارِ أسلحةِ دمارٍ شامل، تهدّد بالفناءِ التام للجنس البشري».لاشكّ أنها الأزمة التي جعلته يشير، إلى أن نهاية العالم باتت أمراً مفترضاً، حتى للنخبِ الغربية التي دفعه سعيها لإبادة الأجناس التي تراها أدنى منها، للقول عنها:»من المستحيل الشَّك، بحقيقةِ أنّ فكرة الإبادة كانت تكمنُ في صميم الثقافة الغربية النخبوية خلال القرن التاسع عشر، وجزءٍ من القرن العشرين، ومن نفَّذوا الإبادة بالفعل، كانوا على يقين بأنهم سيحظون بالدعم، ليس من حكوماتهم فقط، بل ومن العلماءِ والكتّاب والشعراء، وحتى الكهنة في بلدانهم»..
يدلّ على قناعته هذه، بذكرِ ما قُدّم لهذه النخب من مكافآتٍ سخيّة، ومن احتفاءاتٍ حتى بأسمائهم التي باتت تملأ الطرقِ والحدائقِ والقصائد وكتب التاريخ..
هؤلاء برأيه، كذبوا عندما قالوا بأنهم يسعون للتخلّص من المتوحّشين، ومن لا يستحقّون الحياة والأرض والوطن. ذلك أن الإبادة كانت لديهم تراثاً، توارثوه فكانت رغبتهم بقتلِ كلّ شيء.. فصولٌ كثيرة تناولها «غوش» في كتابٍ، دلّ فيه على ضرورة قيام الشعوب المظلومة والمُستعمرة بحراكٍ مقاوم، للحفاظ على وجودهم وأرضهم. أي «حماية جميع أقاربنا»، وعبر تعزيز الصلات العائلية، وحماية حتى الأشجار والحيوانات والأشياء الموجودة على أرضنا..
حتماً، هو تنبيهٌ لمواجهة «القوى الخفية» التي تقودنا إلى كارثة كونية حقيقية..
هي أيضاً دعوة إلى اليقظة والوعي، وإعادة صياغة حياتنا ووجودنا بالطريقة التي تجعلنا متماسكين أكثر، وإنسانيين أكثر، وآمنين ولو قليلا..